لم تكن مفاجأة حين أعلنت مصادر عراقية ودولية موثوقة أن اجمالي ما سرق أو أحرق من آثار العراق خلال وبعد العدوان الأنجلوامريكي وصل إلى 170 ألف قطعة أثرية نادرة. ولم تكن أيضاً مفاجأة حين أعلن أن الصحفي جيمس جونسون الذي يعمل في شبكة فوكس الاخبارية الأميركية قام بسرعة (22) تحفة أثرية نادرة من المتاحف والقصور الرئاسية العراقية، ووجهت أيضاً تهم مماثلة ل (5) صحفيين آخرين بعضهم يعمل في صحيفة (بوسطن هيرالد)، فضلاً عن عشرات من جنود المارينز الذين نهبوا العديد من الآثار والأموال العراقية. ليست مفاجأة إذن.. فمن يسرق الأوطان، ليس بغريب أو مستهجن عليه أن يسرق الآثار، فالذي يسرق أرواح البشر وخبزهم ونفطهم وسيادتهم سيسهل عليه حتماً سرقة أي شيء يقابله. إنها دائرة واحدة متكاملة، حلقاتها يوصل بعضها إلى البعض الآخر. هذه الآثار تعرضت للتدمير، أو للسرقة، وبعضها وصل بالفعل إلى متاحف الولاياتالمتحدة الأميركية، وبريطانيا بل وإسرائيل والبعض الآخر قيل إنه ضبط على الحدود مع الكويت، وإن العديد من تجار الآثار وسماسرته قد نظموا عمليات تهريب والسرقة بدقة بالغة. إننا إذن أمام جريمة دولية تحتاج إلى تحرك قانوني وسياسي من أصحاب الشأن، وأصحاب الشأن هنا هم العرب والمسلمون وليس فقط العراقيين. لقد تمت السرقة لهذه الآثار بعد أن تم سرقة الوطن ذاته، ولكي نستعيدها لابد أولاً من العمل على استعادة العراق، أو تحريرها وتخليصها من الاحتلال الجديد الذي جعلها أقرب لفلسطين ثانية. فالعراق يُذبح وسرقة الآثار هو عملية السلخ، ومن الأدق والأصوب هو ايقاف "الذبح" لإبطال عملية السلخ التي تتمت "للوطن العراقي" ككل: أرضاً وبشراً وثقافة وآثاراً. وعلينا ان نؤكد أن ما يتم في العراق بشأن سرقة الآثار هو عملية محو للذاكرة الوطنية، وليس مجرد سرقة عادية. المقصود هو تدمير التاريخ وتستطيح الوعي بالتراث بل وقتل هذا الوعي، إنها محاولة أميركية لعولمة العالم على طريقتها، عولمة تقوم على تدمير كل ما هو إنساني ويحمل قيمة، والاستناد فقط إلى منطق القوة، وقتل منطق الحضارة، إنها عولمة معسكرة خالية من أي مضامين ثقافية أو إنسانية، عولمة من لا تاريخ له أصلااً ولا آثار تذكر في مواجهة أمة ذات تاريخ له اصلاً ولا آثار تذكر في مواجهة أمة ذات تاريخ عريق وجذور ممتدة، وليس مصادفة أن يتم تدمير ذاكرة العراق والعرب الممتدة إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد على أيدي "المغول الجدد" الذين لا يزيد تاريخهم كله إلى 200 سنة فقط. تجاه ذلك نسأل: ما العمل؟ هذا كله يحتاج إلى فكر جديد، ومنهج جديد يقوم على العقل وليس على الغوغائية والحماس الفارغ من أي أسانيد واقعية محترمة. وبدورنا ننعي للأمة هذا الفكر الغوغائي الفارغ من أي مضامين ثورية حقيقية والذي أوصلنا إلى هذه الكارثة الراهنة، ذلك الفكر الذي قدمه بعض المثقفين والسياسيين، إنه أول من يحتاج إلى مقاومة كي نستطيع أن نواجه العدوان المستمر على أمتنا، وتقدم العقلاء المؤمنون لضمان استقرار دفة سفينة النجاة لهذه الأمة، عبر هذا الطريق نستيعد العراق وفلسطين. ومن هنا تصبح الدعوة إلى انتهاج سبل المقاومة هي الطريق الذي على كل مثقف وداعية أعلامي أن ينادي به دون كلل، ومن المؤكد أن النتيجة حتماً ستكون ايجابية. مدير عام وزارة التخطيط / متقاعد فاكس 6658393