كثير هم من يجلدون الذات، حتى يكادوا ألا يجدوا فينا نحن العرب، ولا في أوطاننا إلا ما يهجى هجاء مقذعاً، لا يبقى له من المحاسن شيء، والجالدون لذواتنا هم في الغالب من نسميهم النخبة، والتي رأى استاذنا الفاضل الدكتور فهد العرابي أنها قد ماتت مع هذا التطور الهائل في تقنية المعرفة، وهم ولا يزالون غائبون، وهم يرتكزون في هذا الجلد المتوالي، الذي أغرموا به مؤخراً، على أن العرب قد حاولوا النهوض عبر قرنين من الزمان ولم يفلحوا، بدأوا مسيرة النهضة قبل اليابان، عبر أكثر بلدانهم سكاناً، وأغناها يومئذ موارد ونهضت اليابان حتى دخلت نطاق العالم الأول المتقدم، وظلت دولنا حبيسة نطاق دول العالم الثالث، التي كثير منها يعاني تخلفاً في سائر جوانب الحياة، ومن أريد ان يرأف به منها نعت أنه من الدول الساعية إلى النمو، وسعيها هذا قد يقتضي زمناً طويلان لن يراه حتى الاحفاد بعد وفاة الأجداد بزمن ليس بيسير، وهم محقون في التلويح بواقع ردئ ولاشك، معطل للنهوض بيقين، وعوامله معروفة مقروءة، رصدتها أبحاث علمية واحصائيات دقيقة، ويعرفها العامي الذي يسعى كادحاً ليله مع نهاره، لكسب عيشه، قبل أن تدعى النخب حصر معرفته بها، ولعل النظم السياسية في عالمنا أن حركت ساكناً، للقضاء على هذه المعوقات أو مواجهة من يعملون على إشاعتها، وقد حذر العقلاء من أن يؤدي هذا الوضع الردئ السائد ألا يبقى في يد الكادحين من الكفاف الذي يحفظ الحياة شيء، أما الكرامة فهي مهدرة يبحث عنها الأحرار فلا يجدون لها اثراً، حذروا من أن يؤدي هذا الوضع المتراكم الرداءة إلى هذا الاضطراب الخطر الذي نشأ اليوم في عالم العرب أولاً ثم في عالم المسلمين من غيرهم ثانياً، وكلنا مسلمون بعضنا تبع بعض، وتتحرك فيه جموع الناس تطالب بأدنى حقوقها الإنسانية المعتبرة أن تجد اللقيمات التي تحيا بها وتقيم الأود، وها نحن نرى الشعوب تموج حركاتها في بعض أوطاننا العربية كالجزائر وتونس، وكأني بكثير من بلداننا ستلتحق بهذا الحراك، وفي عالمنا الإسلامي بدأته الباكستان، إن الاستقرار منوط بتوافر مقومات الحياة والكرامة الإنسانية، وبغيابها تغيب عن الأوطان كل نهضة، فالموتى لا يبنون الأوطان، بل يعجزون حتى عن حفر قبورهم التي تواري سوءاتهم حينما تعزل الروح عن الجسد، فهل نحن ندرك هذا، هو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص.ب: 35485 جدة: 88 فاكس: 6407043