ربما يكون وجه المقارنة مخجلاً إذا ما أردنا أن نقارن بين مجتمعاتنا العربية و مجتمعات الدول الغربية من حيث التطور والتقدم والرقي في عدد من الجوانب العلمية والثقافية بيد أن الخجل والشعور بالتقصير يعد مؤشراً جيدا متى ما أقُترن بردةِ فعل إيجابية بغية تحريك الإرادة والعزم في سبيل التغيير إلى الأفضل ..وأحسب أن إحساسا بالألم نشعر به جميعا ذلك لأننا وللأسف نعلم جيدا أن مبادئ هذا التطور الخارق لدى الغرب والبعض من دول الشرق إنما جاءت من مرتكز ومفاهيم ديننا الإسلامي العظيم فكان حري بنا أن نكون أهلُ لهذه الرسالة ونكمل مسيرة عصرنا الزاهر ونكون في مقدمة الأمم كما كنا سابقا لكننا وللأسف أضعنا هذا الإرث العظيم بصنع أيدينا وبتنا أمة متأخرة تقبع في أواخر الأمم. لقد عرف الغرب هذه المبادئ وعززوها بالعمل المتقن والرغبة الصادقة فجعلوا منها مناهج علم وعمل تقوم على التنظيم والصدق واحترام الآخر محفزين في الناشئة وطلاب العلم حب الابتكار والإبداع والتطور تحت مظلة التربية السليمة والتنشئة الراقية لينشأ منهم اليوم جيلُ عبقري منتج في شتى مجالات العلم والثقافة. ولعل ما سبق ذكره في هذه المقدمة كان منطلقا للفكرة التي أنتجت لنا برنامجا رائعا بمعنى الكلمة اسمه " خواطر 5 " أعده وقدمه الإعلامي الشاب أحمد الشقيري خلال شهر رمضان المبارك متضمناً سلسلة من الحلقات المثيرة المتنوعة والتي أراد الشقيري من خلالها أن يكون الحوار بيننا وبينه بأسلوب الصدمة!! مستحضرا تجربة الشعب الياباني ليّبين لنا كيف أن هذا الشعب أستطاع أن يبني من ركام حضارته التي سُحقت بالقنبلة النووية صرحا عظيما جعل من دولة اليابان واحدة من أكبر دول العالم من حيث التقدم التقني والصناعي. لقد اعتمد الشقيري في برنامجه على إجراء مقارنات ملموسة مابين اليابانيين ومجتمعاتنا العربية ( الكوكب الآخر!!) لنقف معه عند مشاهدات سلبية لا تكاد العين تخطئها في واقعنا اليومي لندرك بأن لدينا خلل في منهجية التنشئة للأجيال وأن مدارسنا لا تقوم بأدوارها التربوية على أكمل وجه وأن الوعي العام في كيفية الاستهلاك والتوفير والتنظيم والاحترام للأنظمة العامة في انحدار شديد لنأخذ على سبيل المثال تجربة عمال النظافة والتي تناولها الشقيري في إحدى الحلقات لتمرير رسالة هادفة بغية أن نعرف إلى أي درجة وصل تعاملنا مع هؤلاء العمال.. هناك يطلق على عامل النظافة ( مهندس صحي ) ويصل الأمر بمن أراد أن يكون مهندسا صحيا في اليابان إلى أهمية أن يجتاز عدد من الاختبارات الشفوية والتحريرية بالإضافة إلى توفر عدد من المميزات الشخصية فيه من حيث الثقافة والمظهر العام وهذا ما سيؤهله لاحقا ليكون عامل نظافة أو بالأصح مهندسا صحيا .. هناك يتمتع المهندس الصحي بأرقى مستويات العيش من مرتبات عالية وحوافز متجددة لتجده في كل الأحوال يعيش في رفاهية متناهية.. كل ذلك وأكثر سيدهشك إذا ما قارنت هذه الرفاهية بحال عامل النظافة لدينا عندما ينام في الشارع أو في (التربْ) هو وعائلته الممتدة إلى حيث عدد كبيرمن الأبناء. هناك أدركوا قيمة هذا الإنسان الذي يهتم بالبيئة لتبدو الحياة بسببه أجمل وأنقى.. إنه بكل تأكيد محور هام جعل من الشعب الياباني شعبا راقيا يهتم بالنظافة العامة ويقدّر من يقيمون بهذه المهمة لذلك نشأ منهم جيل يهتم بنظافة بيئته ومدرسته ومنزله لتكون الحصيلة أنه يندر أن تجد من يرمي ورقة في الشارع أو في المدرسة. وهكذا تمضي حلقات هذا البرنامج الشيق مستعرضة العديد من الجوانب في حياة الإنسان والمدينة لأقف بعد كل حلقة من الحلقات متأملا حال أمتنا وداعيا الله ألا يطول الانتظار كثيرا إلى حين التنبه والإفاقة من نوبة السبات العميق في مجتمعاتنا والتي يزيد منها هذه العراقيل التي نصنعها بأنفسنا لكن الأمل كبير بإذن للنهوض من كبوتنا ومعاودة السير نحو مكاشفة أنفسنا والبدء في مراحل التغيير للمفاهيم الخاطئة والعمل بصدق وأمانة مستشعرين حال أمتنا الحزينة.. أخيرا أحببت أن أبدي تحية تقدير للمبدع الشقيري الذي جاء مختلفا هذا العام وإن لم يسلم من حملات التشويه التي تعرفونها جيدا لكنني على يقين من أنه قوي الإرادة ولديه من العزم ما يحول دون توقفه عن رسالته الإعلامية الهامة.. فالرجل لازال يحصد عددا من الجماهير بل أنه بات علامة فارقة عبر هذا السيل العارم من متطفلِ الإعلام و ما يملأ فضائنا العربي من مسلسلات منحدرة وبرامج سخيفة أقل ما يقال عنها أنها برامج أعُدت للسخرية البلهاء من أنفسنا وكل عام وأنتم بخير.