الكثيرون سيقاربون خطاب الرئيس الأمريكي بوش من موقع التحليل السياسي، أو الاستراتيجي، أو الأبعاد الخفية وغير الخفية للإدارة الأمريكيةالجديدة .ونحن أيضاً سنفعل ذلك بعد قليل .لكن، لا بد من منح هذا الخطاب ما يستحق من ترحيب وتأهيل من زاوية واحدة على الأقل: إنه جاء في عكس تيار اجتاح الشرق الأوسط والعالم منذ انهيار جدار برلين العام 1989 وحتى الأيام الأخيرة من عهد الرئيس الأمريكي بوش، والذي تركّز على المحاور الآتية: الإسلام هو العدو الرئيس الجديد للغرب الذي سيحل مكان العدو الشيوعي على الصعد كافة الإيديولوجية والإستراتيجية والعسكرية . وهذا المبدأ تمت بلورته في أوائل التسعينات على يد المحافظين الجدد الأمريكيين في ظل الزعامة النظرية لبرنارد لويس والقيادة العملانية لبيرل وفيث وبقية سرب اليهود الأمريكيين المتطرفين .حرب الحضارات باتت بعد نهاية الحرب الباردة قدراً لا مفر منه، خاصة بين الحضارتين الإسلامية والغربية ثم بين الغربية والكونفوشيوسية . صموئيل هانتينغتون، هو الذي قاد هذه «البشارة»، لكن المحرّك الحقيقي كان (مرة أخرى) المؤرخ اليهودي المخضرم برنارد لويس أستاذ هانتينغتون وعصبة المحافظين الجدد .أحداث 11 سبتمبر، ثم حروب أفغانستان والعراق ولبنان وغزة، جاءت لتؤكد أن الإسلام والحضارة الإسلامية، وليس حفنة المتطرفين الأصوليين، ما الهدف الذي يجب أن تصوّب على صدره كل بنادق الغرب بهدف بناء هوية غربية موحّدة جديدة.خطاب القاهرة الأوبامي جاء ليغلق هذه الصفحة السوداء المروعة، وليعرض السلام والتعاون بدل الحرب والمجابهات بين أمريكا والغرب في ستة مجالات : شن حرب أمريكية إسلامية مشتركة على «كل أشكال التطرف العنيف، انطلاقاً من أن الولاياتالمتحدة ليست ولن تكون أبداً في حرب مع الإسلام»، كما قال أوباما. وهذا العمل المشترك يمكن أن يتحقق في أفغانستان ضد القاعدة وطالبان، ضد المتطرفين في باكستان، جنباً إلى جنب مع الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق . تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي عبر حل الدولتين، استناداً إلى تعهد أوباما الشخصي بالعمل على تحقيق ذلك بالأناة والصبر اللازمين . وهذا كان ملفتاً أن يعتبر أوباما أن «لدى حركة حماس دعماً بين بعض الفلسطينيين، وهذا ما يرتّب عليها مسؤوليات تتعلق بتوحيد الشعب الفلسطيني ولعب دور في تحقيق تطلعات الفلسطينيين» عبر الشروط الأمريكية المعروفة . الاعتراف بأن أمريكا أطاحت بحكومة محمد مصدق الإيرانية المنتخبة ديمقراطياً، والدعوة إلى إنهاء عقود من الشكوك واللاثقة بين طهران وواشنطن عبر الحوار والتفاهم . الالتزام بالديمقراطية في الشرق الأوسط، مع التعهد بعدم فرض أي نظام على أي دولة من جانب دولة أخرى . تعهدات أوبامية جميلة؟ بالتأكيد . لكن، هل هي قابلة للتطبيق؟ هذا يعيدنا إلى سؤالنا الأول: ما الإبعاد والأهداف السياسية والإستراتيجية للانفتاح الأمريكي الإيجابي هذا على العالم الإسلامي؟ عن الحقائق اللندنية