قرارات كثيرة تصدر ، لو طبقت كما ينبغي وتعاون في تنفيذها كل من يهمه الأمر ، لما وجدنا مشكلات بهذا الحجم في كل مجال وفي كل اتجاه وبمعدل تراكمي ينفع كثيرا في الاختبارات ، لكنه في المشكلات يزيد الأمور صعوبة . هذه المعادلة أضرب لها مثالا حيا يعكس جهود الدولة وما يقابلها من عدم تعاون المجتمع بالدرجة الكافية إلى حد السلبية .. وهو المفرج عنهم من السجون بعد قضاء محكومياتهم إن كان بانتهائها أو بالعفو للذين يأخذون بأسبابه المعروفة . لدينا عدة خطوات وخطط هامة من الجهات الرسمية المعنية واللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم ، ويمكن تلخيصها في التالي : - إقرار المجلس الأعلى للسجون اعتبار توظيف المفرج عنه في القطاع الخاص بشخصين في احتساب نسبة السعودة . - دعوة المديرية العامة للسجون لرجال الأعمال لفتح مصانع داخل السجون لتشغيل السجناء بعد حصولهم على دورات مهنية داخل السجن . ولتهيئة ما سبق رصدت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ميزانية قدرها 138 مليون ريال لبناء وتجهيز معاهد في أكثر من عشرين إصلاحية لتأهيل السجناء وإعدادهم للعودة إلى حياة مهنية واستقرار اجتماعي وخروجهم إلى الحياة العامة وهم مسلحون بشهادة معتمدة .. هي في حد ذاتها شهادة أخرى بحسن سير وسلوك لا تشوبها آثار أخطاء سابقة أدت بهم إلى السجن ، وتعلموا دروسا صعبة لكنها غاية في الأهمية بأن الاستقامة استحقاق مهم للحرية والفضاء الاجتماعي والحياة الطبيعية ، خاصة وأن الشهادة تمنحها المؤسسة العامة للتدريب وليس من السجون ، مما يزيل أي أثر نفسي . وحسب الإحصائيات والفترة الزمنية التي مضت على تنفيذ هذه الخطط .. أعتقد أن عدد السجناء الذين استفادوا من هذا التوجه الحضاري البنائي فاق الثلاثة آلاف متدرب .. والدعم المادي المتمثل في قروض استثمارية من بنك التسليف والادخار ، تصل قيمة القرض إلى مائتي ألف ريال للمفرج عنه ليبدأ حياته الجديدة بمشروع صغير بعد دورة خاصة . أخيرا وليس آخرا مساعدة المتدربين المفرج عنهم للحصول على وظيفة بالقطاع الخاص .. ويتم ذلك بالتنسيق بين المؤسسة العامة ومنشآت القطاع الخاص .. ولدينا أمثلة جيدة بالقطاع الخاص لتدريبهم وتوظيفهم . نقول شكرا لهذه الجهات الكبيرة في رسالتها وأهدافها من أجل إعادة تأهيل السجناء كمواطنين صالحين .. الكثير منهم يكونون أكثر حرصا في الحياة وإدراك خطورة مزالق الانحراف ، وبعضهم يساعد على تبصير من يظنون في غرم الجريمة والانحراف مغنما وهؤلاء الذين استوعبوا الدرس واستفادوا ليصبحوا أكثر حرصا على أسرهم وأبنائهم . مثل هذه الخطة والتعاون والتنسيق بين جهتين مهمتين لتطبيق العدالة والإصلاح والتأهيل .. يقابل ذلك دور اللجان الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم .. وهو على نفس قدر أهمية ما سبق حفاظا على تماسك أسر السجناء مما قد يحدث من تفكك إن لم يكن بسبب الانحرافات والجريمة كالمخدرات وغيرها ، ربما تتعرض له خلال فترة تنفيذ الحكم إذا كان السجين رب أسرة وانقطع مصدر دخلها .. وهذا التكافل من اللجان مستمد من تعاليم الدين الحنيف ، ثم من قيم مجتمعنا من تراحم وتعاطف وستر ووقاية لبقية الأسرة . أمام كل ما سبق يبقى على المجتمع عامة والقطاع الخاص بالدرجة الأولى دعم ما ترمي إليه جهود الإصلاح والتهذيب والتدريب للمسجونين الذين يقضون مدة العقوبة ورعاية أسرهم .. ومن شأن التعاون لتوظيفهم والتجاوب مع محفزات الاحتساب بشخصين في نسبة السعودة ، أن يتوج النتائج ويقلل من احتمالات وأسباب الارتداد والذي يكون أخطر إذا ما أوصدت أبواب الاستقرار أمام مفرج عنه لم تترسخ لديه الإرادة والصبر والمحاولة. لابد من الثقة في الذين تابوا وندموا وعزموا على تصحيح الخطأ بأن لا يخلهم المجتمع ولا القطاع الخاص ، وندرك أن استيعابهم بثقة فيه الخير لأسرهم ولمجتمعنا ، وهذا ما تهدف إليه وزارة الداخلية من خلال تعزيز إمكانات وسبل الرعاية والإصلاح ومشاريع المؤسسة العامة للتدريب وجهود لجان رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم ، وأنا أتشرف بعضوية اللجنة الوطنية بجدة وأعرف جيدا حجم ما يؤديه القائمون عليها إن كان في رئاستها ممثلة في الدكتور مازن بترجي والعزيز الأستاذ عبد المجيد عبد الإله العضو المنتدب وقد أشرت إلى ذلك في المقال السابق. بقيت نقطة مضيئة أخرى تكمل الجهد والصورة هي ما نقرأه بين فترة وأخرى عن أحكام قضائية تعزيرية هادفة بديلة عن عقوبة السجن ومن ذلك حكم قاض على شاب بتنظيف مسجد لفترة معلومة ، وحكم على شاب آخر بحفر عشرة قبور لما فيه من أشغال وعظة .. وهذه أحكام بديلة فيها من الحكمة والنتيجة ما يحقق معنى العقوبة من زجر وتهذيب دون تحميل السجون المزيد ممن أحكامهم خفيفة ودون زيادة أعبائها في رعاية السجينين .. لذا نتمنى لو يتم توسيع دائرة بدائل السجون .. والله الهادي إلى سواء السبيل. نقطة نظام : يساعد الله الذين يساعدون أنفسهم [email protected]