.. الزحام في جدة صار سمة تميزها، وقد تعب الناس من اللحاق بأعمالهم ومشاويرهم الخاصة بسبب هذا التلبك المروري المهول في الكثير من تقاطعات المدينة وشوارعها المحورية، وصار يتعين على الواحد منا أن يخرج من مكانه قبل موعد الاجتماع أو المناسبة بساعة أو أكثر، من أجل ان يكون في الموعد، بدلاً من الخروج قبل دقائق قبل سنوات بعيدة. ..موضوع الزحام هذا كان يشغلني، وكنت اضع فرضيات عديدة لاسبابه، ولعل اللقاء الشامل الذي اجريته الاسبوع الماضي، هنا في "البلاد" مع مدير مرور جدة الآخ العقيد محمد القحطاني قد كشف جوانب كثيرة، من تداعيات وأسباب هذه المعضلة، والتي اظن انها قضية مشتركة مع عدد من المدن الكبرى عندنا هنا في السعودية. .. المؤشرات الآن تقول أن جدة على أبواب حالة من انفراج هذه المشكلة "مشكلة الازدحام المروري" بعد أن قامت "الامانة" بالبدء في انشاء مجموعة من الجسور العلوية في عدة تقاطعات محورية بالمدينة، وبعد أن بدأت إدارة المرور في الإعداد لافتتاح مشروعها الجديد "الحلم" بإدارة دفة السير اليكترونيا، بحيث يمكنها السيطرة الى حد ما على الكثافة المرورية في التقاطعات من غرفة العمليات المركزية بواسطة الكميرات التي سيتم نصبها في عدة نقاط مهمة داخل المدينة. .. ويبقى الجزء المهم جداً من حلّ هذه القضية، بيد وزارة النقل ، بعد أن تأخرت كثيرا في ادخال خدمة "النقل العام" إلى مدينة كبيرة مثل جدة،وتركتها كغصن تتلاعب به الريح، تواجه مشكلة الازدحام المروري بحلول مؤقتة وغير عملية، وباجتهاد فردية من إدارة المرور، التي صارت تصارع المشكلة في الميدان لوحدها. .. "النقل العام" في حقيقة الأمر، واحد من أهم الحلول عالمياً، لنزع فتيل معظم الازدحام في المدن الكبيرة، وغياب الدور المهم من وزارة النقل في هذا الشأن يضع أمامها عدة علامات استفهام، لأن هذا بصراحة قصور كبير، وتخل صريح عن دور مهم كان يجب عليها أن تقوم به، خصوصا وان اسمها منذ سنوات قليلة هو وزارة "النقل" فأين "النقل" من اهتمام الوزارة العتيدة؟!! .. غياب "النقل العام" عن حياتنا نحن السعوديين، شكل عندنا ثقافة معينة، وسلوكاً خاصاً، وهو الاعتماد على السيارة الخاصة، والإنسان كما هو معروف مطية لما اعتاد عليه، وقد يواجه الانسان السعودي صراعاً مع نفسه عندما يتم ادخال "النقل العام" الى مدننا "هذا إذا تم اعتماده" لأنه أي المواطن السعودي سيظل لفترة غير منسجم مع فكرة أن يترك سيارته الخاصة، ويركب "الباص" من أجل مشوار الى "البلد" مثلاً .. فمن هو السبب في صناعة هذا السلوك الغريب ؟!!. .. وختاماً أظن أن هناك حاجة ماسة يجب على الجهات المختصة أن تدرسها بعناية، وهي اننا نرى كل عام ضخ إعداد مهولة من السيارات سواء الجديدة أو المستعملة،إلى السوق السعودي من كل انحاء العالم ، وأظن أننا البلد الأول في الشرق الأوسط في مسألة مبيعات السيارات، فهل إلى سبيل من تقنين استيراد السيارات بهذه الضخامة والكثافة اللافتتين ؟!! .. شوارعنا لم تعد تستوعب سيل السيارات، وفي ذات الوقت "النقل العام" غائب عن حياتنا، وبعد ذلك نطالب المرور بأن يحقق لنا المعجزة، في فك ارتال هذه الاختناقات، ونطالب البلديات بأن تزيد من توسعة الشوارع، لأن البيت الواحد صار يقف أمامه سيارات خاصة بأكثر من أصابع اليد !!.. ألا ترون أن المسألة صارت قريبة من "حكاية جحا" الذي يصر في كل مرة على أن يمسك أذنه الشمال بيده اليمين؟!! [email protected]