نِعَمُ الإله على العباد كثيرة (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ) وما أعظم نعمة الاستضاءة بنور الكتاب والسنة، والاهتداء والاقتداء بالسلف الصالح، لذا كان من الواجب على العباد مقابلة هذه النعم بالشكر والعرفان والامتنان، فمعرفة النعمة من أعظم أركان الشكر، حيث إنه يستحيل وجود الشكر بدون معرفة النعمة، فبالشكر تدوم النعم، وبالجحود والكفران تتوالى النقم، روى الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بالنعم شكر، وتركه كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب) والمقصود بالنعيم هنا: اسم لكل ما يتلذذ به الإنسان ومما ليس ملازماً له، وقد سُئِل الرسول صلى الله عليه وسلم: ما يكفي ابن آدم من الدنيا ؟ قال: (ما أشبع جوعتك , وستر عورتك ; فمن كان له خادم فهناك النعيم , فهناك النعيم) والى ذلك ذهب المفسرون فأشار الإمام الرازي في التفسير الكبير في معنى النعيم المسئول عنه: شبع البطون وبارد الشراب ولذة النوم وإظلال المساكن واعتدال الحلف، وقال ابن مسعود: أنه الأمن والصحة والفراغ، وقال ابن عباس: أنه الصحة وسائر ملاذ المأكول والمشروب، وقال الحسن بن الفضل: تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، وقال ابن عمر: أنه الماء البارد، وقال الباقر: أنه العافية (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) وفي هذا تنبيهًا على أن العبد في محل التقصير لولا أن الله يغفر له تقصيره في أداء شكر نعمه، ويرحمه ببقائها مع تقصيره في شكرها، وقد روي في الأثر أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال الله تعالى: الآن شكرتني يا داود، موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك ؟ وشكرك نعمة تستوجب الشكر لأنها نعمة لا يعرفها كل الناس. قال الآن قد شكرتني لأنه لا يشكر إلا من يرضى الله عنه، روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما أنه قال: أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطباً وشربوا ماء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (هذا من النعيم الذي تسألون عنه) وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم: (إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم، أن يقال له ألم نصحّ لك بدنك، ونروك من الماء البارد) فالسؤال عن النعيم سؤال عن شكر العبد لما أنعم الله به عليه، فإذا شكر فقد أدى حق النعمة، وإن أبى وكفر، أغضب عليه الله، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها) فشكر المولى على نِعَمائِه لهو من أحسن العبادات أفضل القربات، فهل لنا أن نستعد لسؤال النعيم هذا بالشكر بما يرضي المُنْعِمْ تبارك وتعالى في علاه ؟ وأن لا نفرط الوقت بالتسويف، ونصبح في ذلك اليوم من النادمين (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر على ذلك فقد أدى شكر يومه، ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته). دعاء: اللهم إنا نسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، برحمتك يا عزيز يا غفار. ومن أصدق من الله قيلاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ) ناسوخ: 0500500313