"والفقراء دول ملهمش نصيب في الدنيا، نصيبهم بس في الآخرة؟" تذكرت هذه المقولة لجمال عبد الناصر، وأنا أتجول ليلة أمس في شوارع الخرطوم برفقة سائق سوداني، قال لي حينما عرف أنني أردني، ومن بلاد الشام عموما، قال لي انه "مشى الشام" وزار سوريا، ونزل في مطار الملكة علياء لمدة ساعة، وكان بوده زيارة الأردن أيضا، قال لي: انتم في الشام تعيشون جنتكم على الأرض، أما نحن - في السودان - فجنتنا هناك في السماء، حياتنا قاسية جدا، ليس عدلا أن تعيشوا الجنة مرتين، مقاربة السائق السوداني، المثقف سياسيا، الدافىء إنسانيا في حديثه عن أشقائه العرب والأفارقة، تشي بمدى "معرفة" مواطن سوداني عادي، بما يجري حوله، وبوعي كبير جدا، سألته: هل تؤيد اعتقال البشير؟ انتفض: البشير رمز كبريائنا الوطني هم لا يريدون البشير، يريدون "إزلال" الشعب السوادني، لم لا يعتقلون قادة إسرائيل؟ ألم يرتكبوا مجازر في غزة؟ هذا موقف سياسي، لا يريدون للسودان أن "يصحو"، شغلونا بالجنوب مدة خمسين سنة، ولما وقعنا معاهدة سلام مع حركة جارانج فتحوا جبهة دارفور، ثم تتالت الجبهات: حلايب، وأريتريا، وكردفان، وتشاد وأوغندا، وأثيوبيا (تذكرت هنا ما قاله لي مسؤول سوداني كبير، أثيوبيا قالت لنا حينما دخلت قواتها إلى السودان: أمريكا طلبت منا ذلك، ونحن لا نستطيع أن نرفض لهم طلبا، دخلنا فحسب، ولن نقاتلكم،).. أعود لسؤال السائق السوادني: ماذا فعلت ثورة الإنقاذ فيكم؟ ضحك، ثم قال: ما حققته هذه الثورة في سنوات حكمها لم يتحقق في تاريخ السودان كله، اشتغلوا جيدا في البنية التحتية، لكن الحياة "غالية" جدا، وصعبة. والحرية؟ قال: نعيش في حرية تامة، أتحدث براحتي، وأعيش بلا اضطهاد، ولا ملاحقة، ولكن الحياة صعبة. يعود للقول: البشير وطني، ولم نر ثراء على رجال الثورة. وأسأله: والترابي؟ يصمت.. نحبه، ولكنه يحب الحكم، يريد أن يكون في السلطة، سواء الجلوس على الكرسي، أو إدارة من يجلسون عليه بالريموت كنترول. لم أعلق، صمت ثم قال: الانشقاق القيادي بين صفوف حكامنا أثر علينا كثيرا نحن الشعب، لم نحب أن يجري ما جرى. وأسال: والتمرد، والمتمردون ما رأيكم فيهم؟ يقول بلا تردد: هؤلاء يريدون أن يشاركوا في الحكم ليس إلا، يريدون المناصب فقط،لو كنت مكان الحكومة ما فاوضتهم، هؤلاء يجب قمعهم وسحقهم، مفاوضة كل من حمل السلاح واعلن نفسه "حركة لتحرير السودان،"يفتح شهية كل طالب حكم في قطع الطريق، وقتل الناس، ودارفور، والتمرد فيها؟ سألت، فقال: لا يختلف كثيرا عن هذه الصورة، انظر، ما يجري في غزة ليس بعيدا عما يجري في دارفور، قلت له: كيف؟ قال: تمزيق الصف الفلسطيني نفس "الزهنية" تعمل هناك في غزة، وفي دارفور، لماذا تدعم "إسرائيل" حركات تمرد سودانية ؟ كنت وصلت نهاية الطريق، قال لي: أنتم في الأردن، نحبكم كثيرا، ساعدتم السودان كثيرا، سلم لي على الشعب الأردني الطيب. الدستور الأردنية