** عندما اتأمل برامج وخطط السياحة في عدد من البلدان حولنا، أجدها اما رصيدا تراكميا من الخبرات، او انها قصيرة الزمن لكنها قامت وتقوم على مفاهيم علمية، تمنح السائح قدرا من الهدوء والراحة واكتشاف الجديد والمثير، ولذلك صارت السياحة منذ عدة سنوات "صناعة" تشكل في نهاية المطاف محوراً مهما من محاور الدخل القومي لاي بلد، فضلا عن ايجاد الاف فرص العمل امام الشباب الباحث عن لقمة العيش، وبالتالي بناء مستقبله من خلال هذه الوظيفة. ** من البلدان المجاورة التي رأيت انها قطعت شوطا جيدا في مضمار السياحة مصر، حيث نجدها قد استثمرت على سبيل المثال معطيات الحضارة الفرعونية، وحولتها مع برامج اخرى الى منارات سياحية، لا تتوقف عنها قوافل السواح من كل انحاء العالم، ونتيجة للخبرة التراكمية السياحية، اصبح حتى سائق التاكسي هناك، والعامل في الفندق، والموظف البسيط على ضفاف منطقة الاهرامات، اصبح كل هؤلاء ادلاء سياحيين، يمكن لك ان تسمع منهم شيئا عن المعطى السياحي، هذا فضلا عن المختصين هناك الذين بلغوا مرتبة متقدمة في مجال التسويق السياحي. ** ويستطيع البلد - اي بلد - ان يسوق المعطيات التي تزخر بها البلد، في قوالب ممنهجة، لتكون جملة من البرامج السياحية الفعالة التي (تؤكل ذهبا) فضلا عن كونها عنواناً حضارياً للبلد نفسه بين امم الدنيا، والمعطيات تختلف باختلاف موجودات كل بلد، فهناك بلاد تمتاز بالطبيعة الساحرة مثل دول شرق آسيا مثلا، اضافة الى المناخ والهدوء، وهناط بلاد اخرى تزخر بالتراث والمآثر المادية الحضارية مثل مصر والى حد ما سوريا ولبنان والعراق وتونس، وهناك بلاد اخرى تصنع السياحة من نقطة الصفر، ومن اللحظة الآنية نفسها، مثل امارة دبي في الامارات العربية المتحدة، ولدبي بالمناسبة تجربة وان كانت قصيرة الا انها صارت اليوم لافتة، لانها نحت منحى علمياً استشرافيا يراهن على جملة من البرامج المدروسة. ** وخلال الاسبوع الماضي كنا نستمع الى الاستاذ محمد بن محارب المدير التنفيذي للعمليات السياحية بحكومة دبي، عندما كان يشرح لنا جوانب من تجربة السياحة في دبي، وكيف انهم يراعون الاجازات المدرسية في دول الجوار لتتناسب مع البرامج المقامة، حتى ان السياحة هناك قدمت 17% من الناتج القومي لامارة دبي، وهو حوالى احد عشر مليار دولار في العام تقريبا، عندما تضافرت الجهود وشكلت شريانا من العطاء العلمي، وتقاطرت على اطرافه جملة من البرامج مثل المهرجانات، وحملة الشتاء والصيف، وقوافل الترويج، والوصول الى الشرائح المختلفة، والالتقاء بطلاب الجامعات كما اوضح الاستاذ علي الزيات مسؤول مكتب جدة، واقامة ورش مع الكليات ككلية عفت وغيرها. ** وعلى الصعيد المحلي فإن تجربتنا السعودية في السياحة بدأت مبكرا من خلال جهد ذاتي للامير خالد الفيصل خلال توليه امارة منطقة عسير عندما استطاع ان يحول مدينة ابها قاعدة المنطقة من بلدة صغيرة الى مدينة لها وزنها على الخريطة السعودية والعربية، وصارت قوافل السواح تترى الى الجنوب السعودي الاخضر، واذا استثنينا تجربة الطائف السياحة منذ سنوات بعيدة على ما فيها من الاجتهادات الفردية التي كانت تحتاج الى مزيد من التنظيم، فإن السياحة السعودية على موعد مع فجر سعيد قادم تحت مظلة الهيئة العامة للسياحة بقيادة الامير سلطان بن سلمان، الذي منحها وسيمنحها المزيد من فكره ورؤاه وتحفزه. ** على المستوى المحلي نملك سياحة دينية يمكن لها ان تكون نشطة على مدار العام، وتقدم دخلا جيدا للبلاد، وتوفر الآن الفرص الوظيفية للشباب والشابات ولدينا كذلك حشد من الارث الحضاري، المتمثل في المواقع الاثرية وعلى رأسها كمثال مدائن صالح في العلا شمالي تبوك، وآثار مدينة الاخدود في نجران جنوبا، وآثار نجد والمنطقة الشرقية، وبعض مواقع في الباحةوعسير، كما ان السياحة يمكن لها ان تقوم من خلال الكرنفالات وبرامج الصيف مثل برنامج (جدة - غير) كمثال. ** الجمال والروعة ان تتحول السياحة الى ثقافة وممارسة عامة، وان يصبح كل مواطن دليلا سياحيا لبلاده ويعرف بها، ويسوق لها، ويتحول تلقائيا الى نموذج يحاول ان يختزل الكثير من المعطى الوطني في شخصه، ليكون ترجمانا يشرح للاخرين مايزخر به وطنه من ارث حضاري، وزخم فكري، وتفاعلات اجتماعية حية قائمة فعلاً على الارض.. السياحة لم تعد ترفاً، بل صارت ركناً جوهرياً من اركان تقديم بلدك للاخرين، في قالب مشبع بالصور الزاهية. [email protected]