"إنها لعنة الحرب تلاحقنا حتى في أوقات النوم.. الكابوس لا يفارقنا.. نصحو بين الحين والآخر على رؤية مشهد الموت ، نستعيد الذاكرة فنشعر أننا مجرمون حتى وإن عدنا إلى الوطن.. نعم نشعر أننا معذبون بارتكاب جرائم حرب حتى وإن انتهت الحرب .. لقد ذهبنا إلى العراق دون أن ندرك حقيقة ما ذهبنا إليه.. مع مرور الوقت وجدنا أننا نقتل الناس دون مبرر".. هكذا كانت شهادات جنود أمريكيين عائدين من الحرب في العراق. يضيف أحدهم وهو برتبة رقيب في برنامج تلفزيوني لإحدى شركات الإنتاج الأمريكية: عندما ذهبت إلى هناك كنت مقتنعاً بالدفاع عن المبادئ الأمريكية في هذه الحرب. هكذا أقنعونا.. وبعد فترة من الزمن وبعد عدة حوادث من هجومنا على العديد من المواقع داخل المدن العراقية.. توقفت عند مشهد مؤلم لعائلة عراقية قتلها زملائي عند نقطة تفتيش لمجرد اشتباههم في السيارة.. لكنهم كانوا أبرياء لقد غيّرت رأيي وقلت ليست هذه مهمتنا التي يجب أن نقوم بها.. لسنا هنا من أجل ممارسة الجريمة، إنه شيء مؤسف أن نقول للعالم أننا دعاة حرية.. وأننا ضد قتل الأبرياء ونمارس هذا الدور على هؤلاء الفقراء.. وهنا يأتي دور أمهات الجنود وآبائهم الذين تذمروا من استمرار أبنائهم في العراق أيضاً.. أولئك الذين عادوا مشوهين خلاف الذين ذهبوا ضحايا وعادوا على نعوش.. تقول إحدى أمهات الجنود القتلى: لقد ذهب ابني دون قناعته ولا نحن أيضاً.. كان المشهد الأخير لرؤيته عندما لوَّح لي بيده وغادر مع البحرية الأمريكية في طريقه إلى الطائرة محاولاً أن يبث فينا روح الصبر والشجاعة. ثم عاد داخل نعشه.. ولم أستطع السكوت على رؤية ابني مقتولاً.. وقلت لهم: لم أكن أتمنى أن تلفّوه بالعلم الأمريكي لأنه لم يذهب إلى هناك دفاعاً عن المبادئ الأمريكية التي عرفناها.. لكنه قد ذهب ضد إرادته لحرب خاسرة لأمريكا وحلفائها. أما المجندون والمجندات الذين تحدثوا عن التجربة أثناء تواجدهم في العراق فقد سردوا قصصاً عديدة لمشاهد الموت.. وكم كان ومازال سهلاً أن يقتل الإنسان في العراق دون مقابل. كما أن الذين عادوا من الخدمة لا يجدون الرعاية الصحية الكاملة التي تؤكد أنهم كانوا يدافعون عن المبادئ!! هكذا قالت إحدى المجندات الأمريكيات. واليوم نجد أننا أمام تناقضات بين التصريحات التي يطلقها بعض المسئولين في الحكومتين العراقية والأمريكية حول الأوضاع الأمنية في العراق.. والزعم أنها قد تحسنت بشكل كبير. وهذا غير صحيح خاصة بعد التصعيد الأخير الذي شهدته بعض المدن العراقية وتكثيف الجيش الأمريكي لاستخدام الطائرات في مواقع يقول الأمريكيون إنها تابعة للقاعدة وفي نفس الوقت سقوط قتلى من الجيش الأمريكي في عدد من المواقع والمدن العراقية. هنا لابد من الاعتراف أنه لا ديمقراطية مع القتل والغزو والاضطهاد.. وأن استمرار الوضع في العراق يحتاج إلى تحرك سريع للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لتنضم إلى التحرك الذي يشهده المجتمع الأمريكي داخل أمريكا نفسها للمطالبة بإنهاء احتلال العراق.. والبحث عن صيغة يتم من خلالها.. توفير الأمن والاستقرار لشعب يعيش ويلات الحرب والقمع والدمار ومازال يدفع ثمن تجارب الديمقراطية على الطريقة الأمريكية في الشرق الأوسط الجديد. على أن الاتفاقية الأخيرة التي مازالت تخضع للمد والجزر بين الحكومتين العراقية والأمريكية تتضمن بنوداً تكرِّس الاحتلال وتشريع استمراره لصالح الجانب الأمريكي. وذلك لفرض اتفاقية من هذا النوع وإقرارها قبل العشرين من كانون الثاني القادم موعد انتقال السلطة في أمريكا إلى الرئيس الجديد الذي قال إنه سوف يسحب القوات من العراق. غير أنه يبدو أن هناك محاولة لقطع الطريق أمام قرار الرئيس القادم من خلال الاتفاقية الدائمة التي يسعى بوش إلى الانتهاء منها سريعاً.