اختلاف الرؤية عن الشخصيات التاريخية المؤثرة الفاعلة أمر قديم فلا تكاد تجد اتفاقاً بين المؤرخين والمفكرين حول أعلام التايخ وصانعيه . تنظر إلى قائد مثل نابليون بونابرت فتجد كارلايل يضعه في ذروة العظماء وترى على نقيضه الأديب الروسي تولستوي يقدمه في صورة الشر كله في رائعته الحرب والسلام . وتقرأ أكداساً من الكتب في الهجوم على طاغية كما يرون اسمه السلطان عبدالحميد وترى أكداساً من الكتب تقول إنه من خير زعماء الإسلام . أولا يكفي ثناء المؤرخين على أحمد عرابي في الوقت الذي يهجوه ويشتمه ويخونه كل من أحمد شوقي ومصطفى كامل ومحمد فريد . وترى ذلك يحوط معظم زعماء التاريخ من أمثال صلاح الدين الأيوبي والمعز لدين الله الفاطمي وسعد زغلول وستالين وماوتسي تونج وغيره . ومن الشخصيات التي أثارت قدراً هائلاً من الجدل والاستقطاب الفكري والسياسي والخلاف العنيف الرئيس جمال الدين عبدالناصر رحمه الله، فقد اختلفت الآراء فيه وانك تقرأ ما كتبه محمد حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وصلاح الدين البيطار فترى صورة رائعة بهية وتقرأ أنيس منصور وتوفيق الحكيم ومحمد عبدالله عنان فلا ترى إلا صورة قاتمة سيئة شريرة لعل أشد قتامة كتاب أنيس منصور : " عبدالناصر المفترى عليه والمفتري علينا ". وكان من الطبيعي في زحمة مسلسلات الشخصيات التاريخية أن تمتد يد الكتاب لشخصية جمال عبدالناصر لتقديمها كمسلسل بعد أن قدمت كفيلم سينمائي في ناصر 56 الذي كتبه محفوظ عبدالرحمن . وكانت سيرة جمال عبدالناصر من حظ الكاتب يسري الجندي وشخصية جمال عبدالناصر لا تتطلب عناءً من جمع المعلومات فهو من الشخصيات التي احتفى المؤرخون بها يشبه في ذلك يوليوس قيصر وصقر قريش وعبدالرحمن الناصر والمنصور بن أبي عامر وغاندي ونهرو وتشيانج كاي تشيك ونابليون الذين صدرت عنهم عشرات المؤلفات والتراجم، وقد جاء النص رائعاً فقد سلط المؤلف الضوء على عوامل الوراثة وتحدث عن هذا الجد المتميز الصبور الجلد الشيخ حسين سلطان، وحسين سلطان جد جمال عبد الناصر رجل من الصعيد ينحدر من أصل قبلي عربي من بني مر، وقد اختلف علماء الأنساب في نسب الرجل ومنهم من يرده الى قبيلة تميم ومنهم من يرده الى غير ذلك وليس بين يدي كاتب السطور ما يجعله يحسم الأمر . وحسين سلطان رجل فيه مخايل الزعامة فهو زعيم في قريته وقد أنجب وكان من أبنائه عبدالناصر والد الرئيس وخليل حسين سلطان عم الرئيس وقد وفد جمال عبدالناصر على دار عمه وزوج عمه التي حرمت من الذرية فحدبت عليه وأحبته وعوضته حنان الأم الذي فقدها وهو صغير . وبعد وفاة الدته تزوج والده زوجة عاملت جمال واخوته الأشقاء معاملة قاسية جافة غليظة . وتبدو صورة العم والأب صورة وطنية في اعجابها بالزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد زعماء الحزب الوطني ولهما مواقف وطنية، وتستمر الأحداث مروراً بيوم 23 يوليو 1952م والوحدة ونكسة يونيو الى وفاة الزعيم . وقد أجاد الأستاذ يسري الجندي في ذلك مع كثرة الاخطاء في النص ومنها وجود أنور السادات وعبدالحكيم عامر بجانب جمال في ساحة المنشية ساعة إطلاق محمود فهمي عبداللطيف الرصاص على جمال فمن المعروف ان الرجلين لم يكونا في المنصة ساعة اطلاق الرصاص . أما الاخراج فقد أبدع المخرج باسل الخطيب وليس ذلك غريباً عنه فقد أبدع من قبل في اظهار الشاعر الكبير العظيم نزار قباني في المسلسل الناجح الذي عرض قبل عامين ويومها أظهر باسل الخطيب الفلسطيني الأصل الحائز على الجنسية السورية حساً فنياً رائعاً . أما التمثيل فقد أجاد معظم الممثلين وكان أفضلهم الممثلة الواعدة لقاء الخميسي التي قامت بدور تحية كاظم زوجة جمال عبدالناصر وقد تزوجها جمال بعد ان تعرف على أخيها وهي تنحدر من أسرة إيرانية استوطنت مصر ونالت الجنسية المصرية . وقد أجادت لقاء الخميسي الدور حتى غدت أفضل من فردوس عبدالحميد في رأيي المتواضع التي مثلت دور تحية في ناصر . 56 أما الذي أبدع فهو محمد الدفراوي الذي قام بدور الشيخ حسين سلطان جد جمال عبدالناصر يليه الشاب الواعد مجدي كامل الذي قام بدور جمال عبدالناصر . وبعد هذا العمل فإننا بانتظار مسلسل للزعيم العظيم أحمد عرابي وآخر عن البطل محمد فريد في مصر وأعمال أخرى عن أبطال الاستقلال في بلاد الشام من أمثال إبراهيم هنانو وشكري القوتلي وحسن الخراط وسلطان الأطرش وغيرهم .