لا أريد هنا أن أعيد وأكرر البكائيات التي وُدّع بها فقيد الأدب والفكر والكلمة، السيد عبدالله بن عبدالرحمن الجفري رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه . . فقد ذُرف على الفقيد من الدموع، ما كان جديراً بغسل وإزالة همومه وغمومه، يوم كان حياً ولا هم له سوى الشكوى والبكاء الصامت الذي أذاب قلبه ثم انتقل إلى كبده، فأودى به وهو مع ذلك حاضر على الدوام، لم يسجل له أي غياب، أو شحُّ في العطاء . . إنّ بكائيات السيد عبدالله الجفري، كانت نتيجة احساسه بالغبن، وأنه لم يوضع في الموضع اللائق بمثله . وهي ليست بمعزل عن قرائه، وقد حفلت بها ذكرياته التي كان ينشرها مسلسلة في " المجلة العربية " إلى أن ضاق العهد الجديد لتلك المجلة بمرارتها وصراحتها، فتوقف نشرها . .وأما طريف الصدف والمفارقات، فتتمثل في كون دموع رئيس تحرير المجلة العربية الجديد، الذي أوقفت مجلته نشر ذكريات وصراحة السيد الجفري، هو من أكثر الناس بكاءً على الفقيد من خلال البرنامج الحواري التلفازي عن الفقيد والذي أعدته وقدمته المذيعة حليمة مظفر على شاشة القناة التلفازية السعودية الأولى . .فكان وجه الشبه بين تلك المفارقة وواقع الحال أكثر تلازماً والتصاقاً بالواقع من أي شيء آخر . . وقديما عاب الشاعر على الذين أهملوه حيّا والذين سيبكونه ميتاً، وذلك حين قال لأحد أولئك : ألعمنّك بعد الموتِ تندُبني وفي حياتي ما زدّدتني زادا ولئن مضى اليوم السيد عبدالله الجفري، إلى الغاية التي يسعى إليها كل مخلوق، فإنّ السؤال هو : كم من واحد اليوم بيننا، يمُثل وضعه وحالته، الوضع الذي عجّل بفقيدنا السيد عبدالله الجفري إلى القبر بعد أن تفاقمت عليه الأحزان والهموم، التي لم يكن لقلبه الشاعري أن تكون له طاقة بحملها . . فالقائمة طويلة، والدموع جاهزة لأن تُذرف على أي فقيد، سيؤدي به نكراننا وجحودنا . . فقبل يومين اثنين هاتفت واحداً من الذين يعدهم لِداتي وأبناء جيلي من أساتذتهم وكان إلى عهد قريب ملء السمع البصر، ولا يكاد موقع صحفي أو اعلامي، إلا وله فيه تلميذ، ومع ذلك فإنه قد أحسن صنعاً حين استطاع أن يتمالك أعصابه، ولم ينفجر بالبكاء، وذلك حين ذهب يعدد ألوان ومظاهر الجحود والنكران التي يلقاها حتى من زملاء الأمس وبعض تلامذته . . فقد بلغ الأمر به كما قال درجة تشبه تسوّل نشر مقالاته، وحتى عدم الرد عليه حين يتصل بفلان وفلان ممن لا تزال الكراسي تدور بهم، ولم يدر بخلده، أنّ شكواه لي تلك، هي كما يقول المثل العامي، هي " شكوى سَرْدان حين طاح على بْردان وقاللّو : دفيني " . . . فاصلة : من المرثيات التي رُثي بها الفقيد السيد عبدالله الجفري، ما كتبه عنه الأستاذ محمد بن أحمد الشدي في عدد هذه الجريدة الصادر يوم الأربعاء 15 شوال .. وقد ورد في تلك المرثية المُكَرّرة لما قيل عن الفقيد، عبارة لا أحسبها إلا سبق القلم، وآمل أن تكون كذلك، وهي قول الكاتب نصاً : " إنني من هذا المنطلق الذي أشرتُ إليه بأن عبدالله الجفري محسوبٌ على الأدب والثقافة، لهذا فإنني آمل أن يجد اقتراحي الذي أسوقه إلى النادي الثقافي الأدبي بجدة القبول بأن يخصص قاعة باسم فقيدنا السيد عبدالله الجفري ترمز إلى مشواره .." إلى آخره . وأقول : إذا كان الأستاذ محمد الشدي، يرى أن استحقاق الأستاذ عبدالله الجفري للتكريم، لكونه مجرد " محسوب " على الأدب والثقافة، فإني أقول له بصريح العبارة : إنك مخطئ في ذلك، فالأدب والثقافة هما الرئتان اللتان كان الفقيد يستنشق بهما الحياة إلى أن مات واقفا كما تموت الأشجار، ممسكا بقلمه، الذي جفّف حبره الجحود والنكران .. والمطالبة بتكريم الراحل الكبير لا ينبغي أن تكون قصراً على نادي ثقافي ربما لا يتوفر في صندوقه حتى رواتب مستخدميه، بل إنّ مما ينبغي أن تُوجه تلك الدعوة إلى الجهات القادرة في الدولة، والتي لتكريمها معناه، مثل المهرجان الوطني للثقافة " الجنادرية " ومثل وزارة الثقافة والإعلام التي كان لبعض مسؤوليها المنقرضين دورهم الذي لا يُنكر في وهن وتسميم قلب الفقيد الغالي .. alansari1@ hotmail. com