الحَمْدُ لله الذي بلغنا هذا الشهر الفضيل ، وأن أتممنا نصفه ونحن نجني مما فيه من خيرات تزيد الحسنات وتمحو السيئات ، فأعمال الخير فيه كثيرة ، والجود فيه شرعه الرحمن } شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ { وخير خلق البشر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يتعامل فيه بأروع أمثلة البذل والعطاء ، حتى أنه كان عليه الصلاة والسلام يفرح بأن يعطي أكثر من فرح الآخذ بما يأخذ ، فما أحوجنا إلى أن نتلمس هديه وأخلاقه في كل وقت وفي هذا الشهر الفضيل على وجه الخصوص ، فقد كان جوده عليه الصلاة والسلام شاملاً جميع أنواع الجود من بذل العلم والمال ، وبذل النفس لله تعالى في إظهار دينه ، وإيصال النفع لكل مسلم موحد بالله بكل طريق ، وقضاء حوائجهم ، وتحمل أثقالهم ، والصدقة في هذا الشهر لها شأن عظيم ، ومزية على غيرها من باقي شهور العام لشرف الزمان ومضاعفة أجر العامل فيه ، قال بعض السلف الصالح رضوان الله عليه الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق ، والصيام يوصله إلى باب الملك ، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك وصدق المولى تبارك وتعالى في قوله الكريم } لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا ممَِّا تحُِبُّونَ { وكم هناك من الأسر صامت ما مضى من أيام دون عائل يغمرهم بحبه وعطفه وحنانه لنازله ألمت به جعلته حبيس خلف القضبان لعدم مقدرته الالتزام بسداد ما عليه من ديون ، فهي فرصه عظيمة لأصحاب الثروات أن يجودوا بما أكرمهم به المولى من مال ، ويقضوا ديون المحتاجين لِيَدْخِلُوا الفرحة في قلوبهم ، ويعيدوا البسمة إلى شفاه ذويهم ، ويكون عيدهم عيدين ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :"من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيلة " فالصدقة بالمال لها منزلتها في الدين ، وثوابها عند الله كبير ، حتى إن الله تعالى يتقبلها بيمينه ، ويضاعفها أضعافًا كثيرة إلى سبعمائة ضعف ، إلى ما شاء الله ، قال عليه الصلاة والسلام :"في كل كبد رطبة أجر " ومن لم يملك المال فعليه بالدعاء لما له من فضل عظيم على وجه العموم ، وهو من أهم أسباب قضاء الحاجات روي أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك : ولك بمثل " وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :"دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك مؤكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل " فالدعاء بظهر الغيب سنة حسنة درج عليها الأنبياء والصالحون ، فهم يحبون لإخوانهم المؤمنين كل خير كما يحبونه لأنفسهم ، وفيه من الخير الكثير ، ولكن يجهله الجاهلون ، فالدنيا فانية ولا يبقى إلا العمل الصالح الذي نجازى به في الآخرة . دعاء : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اغننا من الفقر واقض الدين عنا وعن المدينين . ومن أصدق من الله قيلاً } وَأَقْرِضُوا اللهََّ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَِنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تجَِدُوهُ عِنْدَ اللهَِّ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهََّ إِنَّ اللهََّ غَفُورٌ رَحِيمٌ .