يقوم الكيان الإسرائيلي على أساس العصبية الدينية، وجميع الحركات الصهيونية تنبعث من هذه العصبية العمياء، إسرائيل وطن يضم أشتاتا لا تلتقي في جنس ولا لغة ولا ثقافة، ومع ذلك ومع كل أسباب الفرقة والشتات، نجدها متآلفة ومتعاونة على هدفها البغيض بصورة غريبة، ويعود ذلك إلى سبب واحد وهو ربط حياتهم بالعقيدة الإسرائيلية، والتصور المقدس لملك صهيون، فإسرائيل لم تنهض إلا على أساس يستمد جذوره من التصورات المقدسة، ولم تقم بجمع يهود العالم إلا بسلاح الدين والعقيدة الزائفة، واللغة العبرية التي كانت من الأثريات قاموا بإحيائها من جديد لأنها لغة دينهم، والأسماء العبرية للأماكن كما جاءت في التلمود المزعوم أعادوا إطلاقها، والتشريعات التي جاءت بها كتبهم تمسكوا بها وساروا على هداها، وقد أعلن أحد كبار زعمائهم " بن جوريون " بأن الأماكن التي ورد ذكرها في التوراة لا بد أن يحصلوا عليها ويحتلوها، بل إن الدولة الرسمية تعلن ذلك دون تردد أمام العالم، ونجد أن جميع القرارات الإستراتيجية وغيرها تقوم على أساس الدين وباسم الدين . فالهجرة من بلاد الرفاهية إلى الشظف في إسرائيل بإسم الدين، وذلك حملهم على أن يتركوا رفاهية أوروبا وأمريكا وجميع الدول التي جاءوا منها ليستوطنوا بصحراء النقب، والعمل يكون بإسم الدين، الحرب أيضا بإسم الدين، وكل زعماء وقادة إسرائيل تعلن صراحة التمسك بعقيدتهم المنحرفة وأصول دينهم المشوه، وإلتزامهم بتعاليم كتبهم المحرفة، بل إن الدولة نفسها تتفاخر بأنها دولة دينية تقوم على أساس التوراة وتعاليمه، والله يعلم أنها دعوة كاذبة وفرية مضللة، ولكنهم أقدموا على ذلك لمعرفتهم بأن الروح الدينية هي أكبر حافز على النهوض ومجابهة الأخطار، رغم ذلك فإن إسرائيل لايهمها أن توصم بالتعصب الديني أو بالتخلف الفكري أو حتى بالتأخر العصري، ومع ذلك لم يتهيبوا بأن يعلنوا ولاءهم لدينهم الذي حرفوه لصالحهم، وطوعوه لأغراضهم، وسخروه لشهواتهم، وبإسم الدين تجمعت إسرائيل من الشتات، وسارت مع صهيونيتها في الطريق لإعادة أمجادهم وتاريخهم القديم " المزعوم " ، وأرضهم " أرض الميعاد " ولم تعقهم عقيدتهم من السبق في العلوم والصناعات، فلقد أقبلوا على العلم والتبحر فيه،والتخصص في كل فروعه وسبقوا الكثيرين في الإختراعات والتكنولوجيا،ولقد أثبتت النتائج من تفوقهم ونجاحهم بإستغلال الدين لتحقيق أهدافهم، ونرى ذلك في الفتوى التي أصدرها الحاخام الأكبر والتي تنص على " إن كل يهودي يقبل إخلاء شبر واحد من الأرض المحتله الأرض العبرية يعتبر كافرا لأن هذه الأراضي المحتلة تقع جميعها في أرض الميعاد، ولا يملك أي يهودي حق تسليم ذرة واحدة من هذه الأراضي، إلا إذا كان كافرا " . وكانت هذه الفتوى هي السبب في أن ٪94 من الإسرائيليين عارضوا الإنسحاب في آخر إحصائية للرأي العام، وكانت هذه النسبة أقل بكثير قبل أن يصدر الحاخام فتواه هذه، وهذا أكبر دليل على تغلغل النفوذ الديني في نفوسهم، ولا نستغرب من ذلك فلقد عرفنا ما فعلته العصبية الدينية والمبادئ الفاشية في نفوس أصحابها، فدمروا بها العالم، ثم دمرتهم هي في النهاية . dr .mahmoud@batterjee .com