لقاء الأصدقاء، الجيران من مدريد، والصحب من المملكة، استمر لساعات، وكان محوره سر عشق العرب، وخاصة الخليجيين منهم، لشاطئ الشمس بجنوب اسبانيا، وتفضيلهم له عن غيره من الشواطئ الاسبانية، وجاءت المداخلة من صديقي أبو عمرو الذي يرى السر مرتبطا بالتاريخ، فمن هنا كانت بداية الفتح الاسلامي، فعلى عدة أميال شرقا من ماربيا تشمخ صخرة جبل طارق التي سميت باسم القائد طارق بن زياد، ،منها كان الدخول لشبه الجزيرة وبداية عهد اسبانيا المسلمة الذي دام ثمانية قرون شهدت ولادة دولة اضاءت أوروبا بنور العلم والمعرفة وجعلت من قرطبة مكة طالبي العلم من مختلف البلدان بما فيها الفاتيكان، كان التعليم مشاعا لطالبيه لا قيود عليه ولا احتكار ولا تفريق بين طالبيه بسبب العرق أو الدين أو اللغة، وتعايش الجميع بود وإخاء ساوى بين المسلمين والمسيحيين واليهود بينما يرى الصديق هاشم بأن السر يقع في شاطئ الشمس الذي يشبه وإلى حد كبير شواطئ لبنان التي كانت في عيون العرب جنة الله على الأرض حتى عام 1975، يقصدها عرب بر المشرق وبر المغرب كل حسب رغبته واحتياجاته، ففيها منتجعات الراحة والاستجمام، وفيها المعاهد والجامعات، وكذا الأسواق التجارية للتبادل بين منتجات الشرق والغرب، عدا عن كون لبنان بوابة العالم العربي الكبرى على العالم، ومن موانئها كانت هجرة العرب أيام الحكم العثماني إلى العالم الجديد وخاصة امريكا الجنوبية التي يقطنها اليوم من ذوي الاصول الشامية " السورية واللبنانية " أضعاف سكان البلدين حاليا . وجاءت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م لتحرم سكان الجزيرة العربية وبلاد بر الشام وبر مصر من متعة الاصطياف في لبنان فكان البديل شاطئ الشمس الذي نجتمع فيه اليوم . الجار أنطونيو يعتقد أن تحرر اسبانيا من سيطرة الكنيسة بعد وفاة الجنرال فرانكو واقرار حرية الأديان وتمكين كل من على الأرض الاسبانية من ممارسة شعائره الدينية هو ما مهد الطريق لقدوم العرب إلى هذه الربوع ليزيلوا عن أنفسهم الذكرى المؤلمة لضحايا محاكم التفتيش من المسلمين قبل خمسة قرون والطرد العنيف لمن لم يعزف عن دينه ويعتنق الكاثوليكية، وليستعيدوا أمجاد الماضي، وليعرفوا عالم اليوم بماضيهم المشرق أيام اسبانيا الذي يحرص مضيفنا على تسميتها بأسبانيا المسلمة، وهم بهذا يدفعون عنهم تهمة التعصب والعدوانية التي يحاول اشرس لاعبي مشكلة الشرق الأوسط دمغهم بها، وبرر رأيه باختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مدريد مكانا لمؤتمر الحوار بين الأديان الذي عقد في مطلع شهر يوليو المنصرم . صديقنا وائل - وهو من أم لبنانية - تأثر من الحديث عن تحول العرب عن شواطئ لبنان إلى شواطئ الأندلس بسبب الحرب الأهلية التي في تقديره أنها لم تنته بعد . وتمنى من لاعبي المشكلة اللبنانية أن يتقوا الله بلبنانهم وبمواطنيهم ويعملوا بكل الحب والولاء للبنان كبلد شاءت ارادة الله أن يمثل مواطنوه معظم ديانات العالم العربي وليس لأحد منهم الخيار في ديانته او مذهبه، وأن يجعلوا ولاءهم للبنان الأم التي ترعرع على ربوعه كل حملة بطاقة الأرزة اللبنانية، وأن عليهم أ يعملوا وبجد أن تكون بطاقة الهوية القادمة خالية من خانة الدين والمذهب ليتساوى الجميع في المواطنة وما لها من حقوق وما عليها من واجبات . هنا تدخلت رشا كعادتها في المشاغبة لتعبر عن حزنها وألمها لمعاناة الشعب اللبناني منذ عام 1975، ولتقول بأنهم هم وليس غيرهم وراء ما حلَّ بلبنان من كوارث ، وعندما سألها خوسيه عن " هم " الذين تعنيهم قالت بأنهم هم الذين احتلوا عاصمة السلام وعملوا على تشريد شعب آمن وقتلوا بالغدر والخيانة مئات الألوف من أبنائه، وأنهم هم الذين يؤلبون العالم على العرب والمسلمين، ولاحت من رشا نظرة خاطفة على ساعة يدها فوقفت مستأذنة بالانصراف لأنه الوقت الذي يتجول فيه الأمير العاشق لماربيا في بوريرتو بانوس وهي ترغب في أخذ صورة معه، وابتعدت عنا مهرولة باتجاه الميناء لتعود بعد دقائق بخفي حنين حيث عرفت بأن سموه قد غادر ماربيا إلى أصيلة بالمغرب ليحضر ويحاضر في منتداها الثقافي، سألتها كيف عرفت كل هذه التفاصيل؟ فأجابت بأن شاشة التلفزيون لقناة فضائية عربية في المطعم المقابل لمرسى اليخوت كانت تنقل خطاب سموه مباشرة من أصيلة ، وللحديث بقية بعون الله .