يقول المثل الدارج :"المعنى في بطن الشاعر " ويعني ما يبطنه من مشاعر ، وهذه من إبداعات الشعراء وقدرتهم حيث لهم نصيب وافر من البلاغة الأدبية والتحليق بالخيال الذي يمنح للكلمة مساحات رحبة ، مثلهم مثل التشكيليين الذين يتمتعون بنصيب أوفر من الخصوصية تجاه لوحاتهم مهما اختلفت قراءات الجمهور لها . أما المقال والكتابة الصحفية بشكل عام فالأمر مختلف ، فالكاتب يحرص على أن يصل إلى القارئ من أقصر الطرق في عرضه للقضية أو الموضوع ورأيه في أسبابها وتصوره لعلاجها من أجل المصلحة العامة ، وما أكثر قضايانا العامة التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لتعميق الوعي ولفت الأنظار إلى سلبيات معينة من باب التذكير بأن الله مطلع على كل شيء " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " والتذكير بالحديث الشريف " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ثم ليدرك كل منا مسؤوليته كرب أسرة ومسؤول في وظيفة ، أن هناك بعد الله تعالى من يرى الخطأ أو التقصير .ولكن في بعض القضايا قد يلجأ الكاتب إلى شيء من التلميح بضرب الأمثال بهدف الصالح العام ، دون أن يقصد أشخاصا بعينهم ، وهذا من آداب وخلق الإسلام التي تؤكد أن المرء مرآة أخيه دون ضغينة . إن من واجب الصحافة نقل هموم المواطنين إلى الدولة وصوتهم إلى المسؤول ، وفي نفس الوقت تأخذ بيد المجتمع وتعين الدولة في نشر الوعي ومسؤولية التوعية تجاه تطبيق الأنظمة والمصلحة العامة والحفاظ على مكتسبات الوطن وأمنه وحقوق المواطن .ولطالما سلطت الصحافة الضوء على سلبيات وأخطاء نجم عنها أضرار وتم تصحيحها ، وهي بذلك تساعد الجهات التنفيذية والرقابية على الوصول للحقيقة وإصلاح الأخطاء ، بنفس القدر الذي توجه فيه المجتمع إلى دوره سواء كان أسرة أو مدرسة أو غير ذلك من الجهات ذات العلاقة ببناء المواطن . ولذلك أتمنى أن لا يفسر القراء ما يُكتب بما يحلو لهم أن يفسروه ويجنحوا بعيدا عن مقاصد الكاتب ، وأن لا يغضب المسؤول من النقد ولا تأخذه العزة بالإثم وكأن ما يُكتب يخصه ، وكذا الحال إذا كان النقد بضمير المبني للمعلوم عن جهة معينة بهدف تحسين خدماتها، كما أن المسؤول شخصية عامة في حدود وظيفته طالما كان قائما عليها أو ترك أخطاء يجب أن تصحح بعده، أما المحاسبة فهذا شأن الجهات المختصة إذا وجدت ما يدعو لذلك . إننا نتعامل مع شؤون عامة لا مجال فيها لتفسيرات خاطئة وتأويلات للكلمة أكثر مما يقصده الكاتب أو الناقد ، وفي المقابل نتمنى أن لا تحجب كلمة حق على حساب مصلحة البلاد ومنافع العباد ، وعلى وجه العموم فإن النقد الموضوعي لايعني التقليل من الجهد ولا توزيع اتهامات ، وإنما يسلط الضوء على جوانب سلبية قد تتعلق بمستوى الخدمات وقصور في الإنجاز ، إلا إذا تعلق الأمر بكشف أخطاء أو فساد واقترن بوقائع وقرائن ، وكما أن النقد الأدبي مهم ليقوى به الإبداع ، فالنقد الاجتماعي ولأي جهة يحرك المياه الراكدة ويحث على التطوير ويلجم الأخطاء ويسهم في إصلاحها، وهذا هو المطلوب في دور الصحافة الذي يجب احترامه ، لأنه في كل الأحوال رأي يجب أن لاتضيق به صدورنا ولا يفسد للود قضية ولا يضيع الهدف المنشود طالما المصلحة عامة . وهكذا تتكامل الأدوار بين الجهات التنفيذية المختلفة وأجهزة المتابعة والرقابة ودور الإعلام من أجل الإصلاح ، وإذا لم توضع الحقائق تحت المجهر لا يكون للكلمة قيمة ولا تأثير ، ولذلك لابد من الثقة المتبادلة التي تتسع للحق ولا تكون على حسابه أبدا ، والله المستعان . مكة المكرمة