المتمعن في حياتنا الحاضرة يجد فيها الكثير من التبذير الذي يبدد الأموال والثروات، ويهلك من يتبحر فيه، وهو من أسباب الضلال في الدين والدنيا، وعدم الهداية لمصالح المعاش والمعاد، وبذلك يكون صاحبه من أصحاب الكبر والعلو في هذه الدنيا الآيلة للزوال مهما كثرت أيامها، وقد أمرنا ديننا القويم بعدم الخوض فيه " وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ المُْبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَب ِّهِ كَفُوراً " ونهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبذير في الأمر كله روي عنه أنه قال : " كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة " وقوله عليه الصلاة والسلام أنه قال : " إن الله كره لكم ثلاثاً : قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال " وقد عٌرِفْ التبذير بأنه : جميع التعديات التي يتجاوز بها العبد أمر الله وشرعه . وبذلك يكن الزهد هو هدف الإنسان في هذه الحياة، فالزهد هو : انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة، وأن يخلو قلبك مما خلت منه يداك، فهو ضد الرغبة والحرص على الدنيا، والنظر إليها بعين الزوال، وليس المقصود بالزهد رفض كل ما في الدنيا من خيرات، بل على المرء أن يأخذ منها بقدر حاجته التي تعينه على طاعة الله وعبادته، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سبقه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وصحابته رضوان الله عليهم عبر نقتدي بها في ظلال حياتنا الحاضرة لننجو من عذاب أليم في يوم لا ينفع مال ولا بنين " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهَُّ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ " قال ابن مسعود رضي الله عنه الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له وقد سئل الإمام أحمد رحمة الله تعالى : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ؟ قال - نعم : إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه و قال الحسن رحمة الله تعالى - ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، وأن تكون حالك في المصيبة، وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون مادحك وذامك في الحق سواء - فهذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا، وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛ لأن قلبه يتقطع على الدنيا، وقد مدح الباري تبارك وتعالى الزهد في الدنيا وذم الرغبة فيها في أكثر من موضع في كتابه الكريم قال تعالى " وَفَرِحُوا بِالحَْيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الحَْيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآْخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ " وقوله الحق " إِنمََّا مَثَلُ الحَْيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَْرْضِ ممَِّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَْنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَْرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِر ُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَْمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ ي َتَفَكَّرُونَ " ويكفي أن فيه تمام التوكل على الله، وهو يغرس في القلب القناعة، وهو راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة، و الزاهد يحبه الله وخلقه، فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك، فالمؤمن لا يجزع من ذُلها ولا يتنافس على عزها . شعر : إذا المرء لم يعتق من المال نفسه ***تملكه المال الذي هو مالكه ألا إن مالي الذي أنا منفق ***وليس لي المال الذي أنا تاركه إذا كنت ذا مال فبادر به الذي ***يحق وإلا استهلكته مهالكه ومن أصدق من الله قيلاً " وَلا تجَْعَلْ ي َدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً " نبيه بن مراد العطرجي