هناك من يشترك في مفاهيم وتفسيرات لبعض المظاهر الاجتماعية، فمثلاً يُتَّهَمُ المشتركون في الظروف التي تقتضي الاختلاط بالخلوة المحرمة شرعاً، وهو الأمر الذي أدى إلى صدور أحكام قضائية قاسية تصل إلى عدة شهور من الحبس وآلاف الجلدات لمتهمين بالخلوة رغم أنهم لم يكونوا في حالة خلوة محرمة، وإنما كانوا في حالة اختلاط بين رجل وامرأة في مكان عام على مرأى ومشهد من الناس. يحدث هذا التجاوز الغريب رغم أن قاعدة التوبة تسقط بعض الحدود التي منها حد الحرابة قبل أن تلقي الجهات الأمنية المختصة القبض على المحارب، وذلك كما قال تعالى: "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، فاعلموا أن الله غفور رحيم". وقال بعض الشافعية بأن التوبة تسقط حد السرقة كما جاء في قوله عز وجل: "والسارق والسارقة، فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فَمَنْ تاب من بعد ظلمه وأصلح، فإن الله يتوب عليه".. وكما قرأنا في الآيتين الكريمتين عفواً إلهياً صريحاً عن المحارب والسارق، وهو عفو يمكن أن ينطبق على بقية الحدود الشرعية بالقياس، وهو الأمر الذي ذهب إليه القراني بقوله: "مفسدة الكفر أعظم المفاسد، والحرابة أعظم مفسدة من الزنى، وهاتان المفسدتان العظيمتان تسقطان بالتوبة، والمؤثر في سقوط الأعلى أولى أن يؤثر في سقوط الأدنى، وهو سؤال قوي يُقَوِّي قول مَنْ يقول بسقوط الحدود قياساً على هذا المجمع عليه بطريق الأولى". وإذا بحثنا عن دور التوبة في محو الذنوب في الأحاديث النبوية الشريفة نجد أمامنا عدداً منها وهي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". جاء في الصحيحين عن أنس أنه قال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل، فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقمه عليَّ، قال: لم يسأله عنه. فحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي عليه السلام الصلاة، قام إليه الرجل، فأعاد قوله، فقال له النبي: "أليس قد صليت معنا؟" قال: نعم، قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك". جاء في حديث هزال الذي رواه مالك في الموطأ، وكان هزال قد جاء يخبر النبي عليه السلام عن رجل أنه زنى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك". يثبت القرآن والسنة أن ديننا الحنيف على درجة عالية جداً من التسامح كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ادرأوا الحدود بالشبهات" بحيث لا نجده في القوانين الوضعية. وأخيراً أعلن بكل صراحة وبدون لف ودوران بأن الحدود عقوبات تحذيرية، لا يجوز تنفيذها على كل الحالات، ولي عودة إلى هذا الموضوع الحساس بعد مزيد من التأمل والعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم. يعقوب محمد اسحاق فاكس: 693399