في الحياة غرباء كثيرون، وكل منهم بحسب غربته يعاني، فهناك غربة (انعدام التوافق) الغرباء فيها أولئك المتنافرون، ليسوا في مجال العمل أو الدراسة أو جار مع جاره، إنما هم من يمثلون أقرب علاقة إنسانية وأقواها على الإطلاق.. إنهم أولئك الأزواج الذين ربط الله بينهم ب( الميثاق الغليظ) يا ترى : لم لا يكون القرآن دليلًا لتلك الحياة وتلك العلاقة منذ البداية؛ حتى لا تكون تلك الغربة؟! هناك غربة أخرى قد تكون أشد من الأولى: إنها غربة الدين، وقلة الأنصار فهي فتنة لكثيرٍ من الناس، وقد يراها البعض فرصة للتميز ومفتاح للارتقاء في الدرجات؛ متى ما صبر العبد وجاهد نفسه، ولذا جاء في الحديث أن للقابض على دينه في زمن الفتن أجر خمسين صحابي. قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لعبدالله بن عمر: ((كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل)). إن أجمل مافي الدنيا رغم تعبها وإرهاصاتها أن يكون لديك قناعة بأنك لست وحدك، نعم لست وحدك، فمعك من يغنيك عن كل البشر، سبحانه وتعالى إذا أعطى أجزل في العطاء، وإذا منح فمنحته جنة من الطمأنينة. فقط تذكر أن هناك من يعاني وهناك من يشكو، وهناك من يصبر ويحمد الله، ويتذكر ما لديه من النعم التي قد يفتقدها غيره ويتمناها.. غربة من نوع آخر، تلك هي، غربة الأطفال مع والدين جاهلين، أوغربتهما مع والدين منفصلين اجتماعيًا وعاطفيًا.. وأشد من ذلك: غربة الآباء مع أبنائهم مع مرور الزمن. وهذه الغربة توجد إذا كان الوالدان غير حريصين على الارتقاء والتطور، ومواكبة عصر أبنائهم من أجل التربية. وعلى سبيل المثال: غربة المرأة عند بناتها المواكبات لكل جديد في عالم الموضة، وغيرها، وتتبعها والانسياق وراءها دون قيد، في الوقت الذي تجهل فيه تلك الأم أبسط أمورها.. أيها القراء: ما أقسى تلك الغربة لطالب العلم عند من لا يقدر العلم وأهله. وأقسى من ذلك (الغربة العلمية)(وهي أن يشعر المرء بغربته مع أهل بيته وأبنائه وأقاربه؛ لانشغالهم بملهيات الدنيا وعدم اهتمامهم بالعلم والحرف والكلمة) أيها الفضلاء: ليست الغربة أن تبتعد وتكون وحيدًا؛ بل قد تكون وسط جماعة كثيرة، لكنهم بعيدون عنك قلبًا وعقلا.. لذا فغربتك الداخلية، إذا لم تكن طريقًا إلى الله فهي غربة وهلاك.. تأملوا معي: في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ) وهنا نقول لمن يلزم نفسه بالغربة: بوتقتك الخاصة لن تدفعك للتقدم، ما دامت تحيط بك، وتمنعك عن الآخرين. المرء كثير بإخوانه، وكثير بمن حوله مادام الهدف واحدًا، ولن يكون كذلك إلا إذا تنازل عن بعض الأمور التي قد تشكل حاجزًا وهي في الأصل وهمٌ. ثم هناك أمر آخر: كالتعايش، وتقديم بعض التنازلات، والثقة بما لديك من علم و وعي؛ فليس معنى أن يخالفك الآخرون أنهم على صواب وأنت على خطأ.. همسة: الغربة الحقيقية ألا تجد نفسك وإن وجدتها، لا تعرف ماذا تريد، والأصعب من ذلك كله، أن يكون عملك هباء منثورا. العبرة بالخواتيم، أسأل الله لي ولكم حسن القول والعمل، وحسن الخاتمة..