«مزاين لوحات» علي القاسمي تبدأ المزايدة من 70 ألف ريال، ولا يُتَنَبأ إلى أين ستصل؟ إذا ما علمنا أننا مجتمع لا يمكن التنبؤ بما يفعل ويحب، ولا حتى بما ينافس ويتنافس عليه! المزايدة قرأتها للأسف قبل يومين في إعلان شخصي بصحيفة زميلة للوحة سيارة بثلاثة أحرف ورقم واحد، وليتها لثلاثة عقول بقلب واحد، الأحرف لم تغرِني مجتمعة فكيف بها منفصلة مع احترامي للرقم المجاور! لكن ألا تكون لوحة سيارة تبدأ من هذا الرقم الخرافي محبطة لجيل بالكاد يرتب مستقبله، ليفتح عينيه بخجل على تنافس مثير مجنون مضحك مبكٍ من أجل الظفر بأحرف وأرقام لوحة! هل ستقفز السيارة التي تطبعها اللوحة المزيونة فتنافس الطائرة في اختصار الوقت والمسافة؟ وهل يمكن إدخالها في واجهة مجلس العائلة ليشاهد الآخرون كم نحن عقلاء ومهووسون متباهون بقول «هذا ما تعب عليه أبي وجدي». إذا عجزنا عن ملاحقة جديد أو الوصول لمنصة تتويج قفز مجانين الشهرة ومعطوبو الأحلام والقدرات على اللوحات والسيارات، ولا يلام المرء حينها فهذه القدرات والطموحات لا تتجاوز هذا الحلم، بماذا نرفع عقلية الصغار الذين يصطحبهم أخ أو أب لمزايدة تُسيل اللعاب وتنفض الجيوب الممتلئة والخاوية والعقول المؤكد أنها خاوية؟ بماذا نجيب من يتباهى بأن لديه لوحة اشتراها بمبلغ يكفي لأن يسد رمق أسرة متهالكة لخمس سنوات متتالية؟ وهل يعرف هؤلاء أن الريال المصروف له ألف موضع أطهر وأنقى وأرقى وأجمل وأرحم من لوحة ألمنيوم صغيرة أمامية أو خلفية أقرب للأرض من السماء؟! ليس حسداً أن نقف عند ممارسة اجتماعية لصاحبها أو عاشقها مطلق الحرية في عمل التصرف الذي يمثله، ويكشف عن الجوانب المضيئة في العقل، لكن أخاف أن يحتفي المجتمع سراً وجهراً بهذه الممارسات، وتخلق جو التنافس الوحيد بين أفراده، فيصبح القادم الصغير مفتوناً بلوحة سيارة ومجنوناً برقم مميز، ومجتهداً للحصول على رقم هاتف جوال متحرك لا مثيل له، ومهلكاً رواتبه ومدخراته لعلاقة تميز تشبه في الحقيقة علاقة الملح بالقهوة العربية! ألتفت- فأتبسم - لقومي حين يتنافسون ويتعبون على «مزاين لوحات»، وكأن التنافس انحصر في هذه الترهات والمناطق الضيقة الضعيفة المخجلة، قد تحرج جهات متقاطعة مع هذا الهوس، ولكن لتخفِ ذلك وتحصره في نطاق ضيق، فهناك من سيبكي طوال الليل حين تمر أمام عينيه حمى مزايدات وهو عاجز عن الحصول على علبة حليب لطفله الصغير، سيموت جزء منا بالقهر والغبن إن عرف الرقم الصريح النهائي لمشتري لوحة سيارة، وهو الذي تنقل من أكثر من مكان ووظيفة لجمع هذا المبلغ لسنوات طويلة من أجل قطعة أرض، العقول قد تكون في غياب عن الوعي لانعدام الهدف، ولكن القلوب لم تغب، وإلا لماذا كانت اللوحة الثلاثية القريبة من مشاريع الحب هي الأولى في المنافسة. هناك أكثر من «مزاين» مقبل لكن ضعوا واحداً منها «مزَايَنَ» خاصاً مستقلاً للعقول، وليكن المتنافسون عليه من الخارج وعندها لا نحبط من حجم العرض والطلب. [email protected]