أوضح إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، أن وقفة الصدق مع النفس ومع الأمة تقتضي المصارحة في المحاسبة ولو بغليظ من القول؛ فإن الدواء مرّ؛ فمع ابتداء عام وانتهاء آخر يحسن التأمل ويُطلب التدبر ويُقرأ كل ما يخطه التاريخ، فيما تحدث خطيب المسجد النبوي بالمدينةالمنورة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي عن وجوب أداء الحقوق الواجبة على المكلف. وقال "بن حميد" في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: "إن التكالب على أمة الإسلام وديارها لا يخفى.. مؤامرات تحاك ضد الأمة وشعوبها وقرارها واستقرارها واجتماع كلمتها واستقلالها؛ فبين عوامل اليأس والإحباط والاستعجال تعمل الأيدي الخفية لإضعاف الأمة وتقطيعها وتمزيقها وتقسيمها. ولقد استخدم هؤلاء الأعداء وسائل شتّى لشق الصف وإحداث الفتن وزرع اليأس ونزع الثقة". وبيَّن أن من مشكلات أبناء هذا العصر ما تزخر به وسائل الاتصال وأدوات التواصل من سيل المعلومات الهادر المتدفق، لا تمييز فيه بين المحق والمبطل والصادق والكاذب؛ فسريان المعلومات الصائبة والخاطئة أسرع من النار في الهشيم؛ ما يوجب أخذ الحيطة والحذر، ناهيكم عن المواقع المنظمة التي تتفنن في تأليب الشعوب ونشر الاضطراب وزرع الفتن. وبيَّن الدكتور بن حميد أن من مظاهر استهداف العدو أمةَ الإسلام وشعوبها، بث الشائعات بأنواعها ، والتهجم على البلاد ومكتسباتها وقياداتها ، ونزع الثقة من رجالاتها من العلماء الراسخين والساسة الصادقين والوطنيين المخلصين، يتصيدون الأخطاء وينشرون العثرات، بالإضافة إلى بعض التعليقات الساخرة التي ظنوا أن المقصود بها مجرد الإضحاك والتسلية، وهي تعمل عملها لزعزعة النفوس واضطراب الرؤى. وكشف معاليه أن من أخطر مظاهر الاستهداف ما انجرّ إليه بعض أبناء الأمة في جهل وانخداع فوقعوا في دائرة الغلو في الدين، اقتيدوا إلى المهالك بدافع من حماس وجهل، جمعوا بين سفه الأحلام وقلة التجربة والخبرة وضعف التفكير والإدراك؛ فأي دين وأي عقل أن يكون وقود هذه الفتن أبناء دم واحد ودين واحد وبلد واحد؟! أغوى الشيطان القاتل ليستحل دم أخيه، فكم من طفل قد يتّم! وكم من ثكلى قد أيمت! وكم من عائلة قد شردّت! وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن أقرب طريق للمعرفة والإدراك أخذ العبرة وسلوك مسالك الاعتبار؛ فعلى المؤمن الناصح والمعتبر الصادق الأخذ مما يحدث من حوله من أحداث جرت الويلات على ديار المسلمين، والنظر في ديارهم التي أصبحت مسرحًا لسفك الدماء وتشريد الأسر وضياع الثروات واضطراب الأحوال نسأل الله أن يكشف كربهم ويرفع ضرهم وأن يحفظهم ويعيد إليهم اجتماعهم وأمنهم واستقرارهم وجمع كلمتهم على الحق والهدى. ودعا الدكتور بن حميد في خطبته أن يحفظ الله هذه البلاد المباركة الطاهرة، بلاد الحرمين الشريفين، أرض المقدسات، وأشرف البقاع على وجه الدنيا، بلد التوحيد والوحدة، تحكم شرع الله وتقيم حدوده، جعلت الشريعة منهاجها، فهي تحتضن مقدسات المسلمين وتتشرف برعايتها وخدمتها وخدمة قاصديها من حجاج وعمار وزوار، فيها مهبط الوحي ومنبر التوحيد. وقال: "إن هذه البلاد المباركة قبل وحدتها وتوحدها كانت تعيش على هامش التاريخ، فلم يكن الوصول إلى الحرمين الشريفين آمنًا ولا ميسرًا، فتّم توحيدها فانتقلت من حالة العزلة والتهميش إلى التأثير والتغيير والحضور على الأصعدة العالمية والإقليمية، مبينًا أن الله سبحانه وتعالى منح هذه البلاد المباركة شرف أمن الحجيج وتأمين مسالكه، فيأتي الحاج والمعتمر محفوفًا بالرعاية الكريمة، آمنًا على نفسه، يؤدي نسكه ويعود مودعًا بالسلامة. وأبدى معاليه تعجبه ممن يريد أن يفرق بين الدين وهذه الدولة ويظن أن ما بينهما إنما هو حلف يمكن أن ينفك أو يمكن الانفكاك منه؛ فهذه غفلة عن سنن الله في التاريخ والأمم والدول، إنما بين الدين وهذه الدولة هو عصبية نشأة، وكل دولة تنفك عن عصبية نشأتها لا تقوم لها قائمة؛ فالالتزام بالإسلام وتحكيم والدعوة إليه في هذه الدولة المباركة ليس مجرد وظيفة من وظائفها، بل هو روحها وحياتها وهدفها ومنهجها. ودعا الشيخ ابن حميد الشباب إلى تقدير هذه النعم وحفظها والمحافظة بكل ما أوتوا من قوة وحزم على أمن بلادهم ووحدته والالتفاف حول قيادته، وقال: "الحذر الحذر أن يذهب هذا الأمن الوارف؛ فكونوا معتبرين قبل أن تكونوا عبرة، وازنوا بين المصالح وقيام الدين وشعائره ورص الصفوف واتحاد الكلمة ووحدة القيادة المسلمة ولزوم الجماعة والرجوع لأهل العلم الراسخين". وبيَّن إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن الأخطاء موجودة والكمال ليس مدعّى، لكن لا يجوز لأي عاقل فضلاً عن مسلم ومواطن مخلص أن يكون النقد والمطالبات على حساب سلامة البلاد وأمن الأوطان واجتماع الكلمة؛ فالمطلوب هو النصح والتناصح، والمعالجة بالحسنى وسلامة الصدور، والصدق في المعالجات والعزم على الخير وتحصيله، ودفع الشر وتفويته، مشيرًا إلى أنه ليس من النصح ولا من الإخلاص تصوير البلاد وكأنه لا خير فيها، واقتناص الفرص لإشاعة الفوضى ونشر البلبلة؛ فليس مخلصًا من يهدم ثوابت بلده وقيم مجتمعه باسم النقد وحرية التعبير، وكذلك من يظن أن هناك تعارضًا بين الوطنية والإسلام، مشددًا معاليه على أهمية التمسك بالدين القويم ولزوم الجماعة فالجميع في سفينة واحدة؛ ينجون جميعًا أو يغرقون جميعًا؛ فالجماعة رحمة والفرقة عذاب. وفي المدينةالمنورة، أكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، وجوب أداء الحقوق الواجبة على المكلف، بدءًا بحق الله ورسوله على العبد، وحقوق الوالدين على الولد، وحقوق الناس عليه، مبينًا أن ذلك من تقوى الله تعالى ومن الحرص على أداء فرائضه، ولزوم حدوده. وشدد فضيلته في خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف اليوم، على أن أداء الحقوق واجبة على المكلف، فلا ينفع الله طاعة الخلق، ولا تضره معصيتهم، لقوله عز وجل : (فَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا). وذكر الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي، إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن أداء الحقوق الواجبة على العبد يعود نفعها في آخر الأمر إلى المكلف بالثواب في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً). وقال فضيلته: "إن التقصير في بعض الحقوق الواجبة على المكلف أو تضييعها وتركها بالكلية، يعود ضرره وعقوبته على الإنسان المضيع للحقوق الواجبة في الدين؛ لأنه إن ضيّع حقوق رب العالمين، لم يضرّ إلا نفسه في الدنيا والآخرة، والله غني عن العالمين، لقوله سبحانه: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ). وبيّن الشيخ علي الحذيفي أن حقّ الرّب الذي يجب حفظه هو التوحيد، وأن الله وعد عليه أفضل الثواب حيث قال عز وجلّ : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ). وحذّر من تضييع العبد للحقوق الواجبة عليه في الدنيا؛ فمن ضيّع حق الله عز وجل بالشرك به، واتخاذ وسائط من دون الله يعبدهم، ويدعوهم لكشف الضر والكربات، وقضاء الحاجات، ويتوكل عليهم؛ فقد خاب وخسر، وأشرك وضل سعيه، فلا يقبل الله منه عدلاً ولا فدية، ويقال له: ادخل النار مع الداخلين، إلا أن يتوب من الشرك بالله. وأورد فضيلته الحديث الصحيح : "يقال للرجل من أهل النار: لو أن لك ما في الأرض هل تفتدي به من النار؟ فيقول: نعم، فيقال له: قد أمرت بما هو أيسر من ذلك، ألا تشرك بالله شيئًا". وأضاف أن المكلف إن ضيّع حقوق الخلق الواجبة عليه فقد حرم نفسه من الثواب في الدنيا والآخرة، وإن قصّر في أداء بعضها، فقد حرم من الخير، بقدر ما نقص من القيام بحقوق الخلق، مع ما يلحقه من العقاب، مبينًا أن الحياة تمضي بقدر ما يلقى الإنسان من شدة ورخاء، وحرمان وعطاء، فلا تتوقف الحياة على نيل الإنسان حقوقه الواجبة له، مذكرًا بيوم القصاص وأداء الحقوق لجميع الخلق عند الله يوم تجتمع الخصوم، فيعطي سبحانه وتعالى للمظلوم حقّه ممن ظلمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ" (رواه مسلم). وأكد فضيلته أن أعظم الحقوق بعد حقٍّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، حقوق الوالدين؛ فلعظم حقهما قرن الله حقه به، في قوله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). وأسهب إمام وخطيب المسجد النبوي في بيان عظمة حق الوالدين على أبنائهما وبناتهما، مبينًا أن الله تعالى عظّم حق الوالدين لأنه أوجد الإنسان وخلقه بهما؛ فالأم وجدت في مراحل الحمل أعظم المشقات، وأشرفت في الوضع على الهلاك، والأب يربي ويسعى لرزق الولد، ويسهر الوالدان لينام الولد، ويتعبان ليستريح، ويضيقان على أنفسهما ليوسعا عليه، ويعلمانه ليكمُل ويستقيم، ويحبان أن يكون أحسن منهما؛ فلا عجب من كثرة الوصية للوالدين، ومن كثرة الوعيد لعقوقهما، مؤكدًا فضيلته أن الولد لن يبلغ كمال البر بالوالد مهما فعل؛ فالوالدان بابان من أبواب الجنة، من برًّهما دخل الجنة، لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه أو أحدهما ولم يدخل الجنة".