يُدَنس الأدب ويُمَرَّغ شرفه في وحل روايات الفُحش والرذيلة ، تتلوث أيدي الثقافة بدماء الحق والفضيلة ، تتحول الأقلام إلى خناجر والكلمات إلى قذائف ضمن ترسانةٍ من أسلحة الحرب حيث لا عدوان إلا على الدين والقيم , سلسلةٌ من الانتهاكات اليومية التي سكت عنها الرقيب المسؤول إن لم نرهُ مصفقا يكرِّمُ مجرميها كأبطال للوطن وفرسان للفكر والإصلاح ! وهانحن اليوم مع مثال جديد والكاتبة بدرية البشر في مقالها \" نورة تتطوع \" بصحيفة الحياة . ذلك المقال الذي لا يمكنك بحال استشراف دافعا أو مغزى له غير الإساءة إلى ذوي الاستقامة وتسطيح مفهوم التوبة وإفراغها من معانيها وقيمها السامية حيث تُجْمِل الكاتبة تجارب التائبين وأحوال المتدينين المحافظين وتختزلها في شخص نورة تلك المرأة التي تعمدت الأستاذة بدرية صياغة تفاصيل قصتها بأسلوب يسيء لكل المقبلين على ربهم العائدين إلى حياض التقوى و الالتزام بحدود الله . تقول الكاتبة \" للأسف أن كلمة التطوع عند نورة ليس لها علاقة بالتطوع المدني الذي يعني الانخراط في مساعدة المحتاجين والتبرع بالوقت والجهد لصالح المنظمات التي تقدم هذه المساعدات, وحين نقول نورة تتطوع فإنها هي من اختارت هذا اللقب غير المحبب عند الصحويين فكلمة مطوع تحمل صورة العزلة لهذا اخترعوا كلمة ملتزم التي ظهرت في المعسكر الشيوعي دلالة الالتزام بأيديولوجيا الحزب\" وأقول : إن كانت البِشْر أحالت المصطلحات إلى الصحويين والعزلة والحزب الشيوعي فإني أحيل أختنا الكريمة إلى قوله جل جلاله :\" الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب عظيم \" فالوعيد هنا للمنافقين الذين يعيبون على المطوعين وأصلها المتطوعين أدغمت التاء في الطاء وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير أن يجب أما لفظ \" ملتزم \" فقد شاع بين الناس كتعبير عن الالتزام بشرع الله وقد كان العلامة ابن عثيمين رحمه الله يرى الصواب أن يقال \"شابٌ مستقيم\" لأن الاستقامة وردت في عدة مواضع من القرآن ولأن الالتزام يصدق على ملتزم الحق والباطل أما الاستقامة فلا تُطلق إلا على الملتزم بالحق . أما تلميحات الكاتبة عن التطوع المدني فتلك والله قمة التطرف في مجانبة الحقيقية وغمط الآخر حقه فإن لم يفهم الصالحون معنى العمل الخيري والتطوعي ويؤمنوا به ويتبنوه فمن يفعل ؟ّ! الواقع يؤكد أنهم رواد العمل الإنساني وأن حياة الأخيار المخلصين إنما هي موطنا أصليا للبِّر والتكافل , وهاهي مشاريع إعانة المحتاجين وكفالة الأيتام ورعاية الأرامل والمطلقات وأسر السجناء ومساعدة الشباب على الزواج وغيرها من الأعمال التطوعية والبرامج الترفيهية والتثقيفية والتدريبية ينهض بجزءٍ كبيرٍ منها في بلادنا الصالحون والصالحات ولا ينكر ذلك إلا جاحد . تواصل الكاتبة سخريتها وتهكمها ب\" المطاوعة مُمَثَّلِين بنورة \" ! فتقول :\" أول ما فعلته نورة حين تطوعت أنها صلت طويلا وبكت وطلبت من الله أن يسامحها على الآثام التي اقترفتها منذ ولدت مثل وضع المناكير على أظافرها وعلى الرقص في عرس بنت خالتها وأنها كلمت ولد جيرانهم مرتين وهي في التاسعة \" أيعقل أيتها الفاضلة أن يكون هذا هو فهمك للتوبة وذاك هو ظنك بالأوابين وتصورك عن حياتهم وعلاقتهم بربهم ؟! أم أن هناك لذة في التشويه والإيذاء أعمتك عن إبصار النور في الأفق ! فتحاملك جارح وجهلك عميق بعالم أهل التدين ومنهجهم المُوازِن بين أولاهم وأُخراهم , فهممهم عالية و آمالهم سامقة , مناجاتهم وخلواتهم مع ربهم عامرة بالصلوات والدعوات والعبرات يحملون همَّ الدعوة وقضايا الأمة يسألون الله الهدى والثبات والفوز بالجنة ويعوذون به من المعاصي والفتن وسوء المنقلب أفتجعلين أمثال هؤلاء يبكون الليالي لتصرفٍ طفولي حدث حتى قبل سن التكليف ؟! . تقول الكاتبة :\"بعد أن شعرت نورة أن الله استجاب لتوبتها فتحت ألبوم صورها فمزقتها كلها وعاد الإثم يعذبها وشعرت بأنها لاتزال ناقصة فقررت أن لا تكلم صديقاتها القديمات ومسحت أرقامهن ففيهن ميوعة وقلة دين ، وحين عاد زوجها حدثته عن مصيرهم الذي تهدده النار قائلة : هل ترضى بأن يكون مطعمنا ومشربنا حرام إذن اترك العمل في البنك وسيرزقك الله بغيره , وبعد أشهر من العراك ترك البنك وهاهو يمضي عامه الخامس جالسا في البيت يأكل وزوجته من مساعدات غير الملتزمين من إخوته\" أقول بعد ذلك للبِشْر : أما عن الصور فلنفترض أن نورة بعد استقامتها باتت تشعر بالقلق حيال صورها الشخصية ورأت الاحتراز بالتخلص منها فما العيب في ذلك وما الذي يستدعي الاستهجان والسخرية هنا ؟! أما الصديقات وأرقامهن فالقول بمفارقة \"الملتزمين\" لكل من لديه تقصير قولٌ عارٍ من الصحة فهم أبعد الناس عن القطيعة والهجران وأحرصهم على مد جسور التواصل والتعارف لتوسيع دائرة النفع والتأثير الدعوي إلا في حالة رفقة السوء الخطرة المُحال تغييرهم فالأولى مغادرتهم , وأما ترك العمل في البنك الربوي فمن منا لا يعلم أن الربا من كبائر الذنوب وفي صحيح مسلم حديث جابر رضي الله عنه : \" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء \" ولا أدري ما المقصود تحديدا من هذه الحبكة الختامية للقصة أهو إظهار المستقيمين هنا بمظهر المتشددين المعقدين أم الفاشلين الاستغلاليين الذين يعيشون على حساب الآخرين؟ وحتى إن حاولنا مسايرتك واعتبار مقالك قصة حقيقية فهل يمكننا تجاهل وعده سبحانه : \"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه....\" هل نصدقك ونكذب ما اعتدنا عليه وعرفناه طيلة حياتنا من كون الصالحين دوما بين أقاربنا ومعارفنا هم الأعلى يدا والأكثر عملا ونشاطا , عرفناهم أهل كرمٍ وبذل فهل نجعلهم اليوم لأجل بدرية البشر أهل تواكلٍ وبطالةٍ يأكلون وأبناؤهم الصدقات لخمسة أعوام ؟ ويعتمدون في معيشتهم تحديدا على \"أموال غير الملتزمين\" !! ريم سعيد آل عاطف