مجتمعنا كغيره من المجتمعات , يمرّ بمختلف التغيّرات الثقافية والإجتماعية والسياسية وحتى ( الدينيّة ) ! وأقصد بالأخير مستوى الإرتباط والتشدّد وتفهّم وقبول الآخرين . لكني أعتقد – جازماً- أن مجتمعنا حالياً يعيش( مرحلة مخاض صعبة ) نتوجس خِيفة من نتائجها التي ربما تكون عكسية ! أصل هذا المخاض ومنشأه هو (الإنفتاح السريع والمفاجئ) على المجتمعات الأخرى من خلال مختلف وسائل الأعلام أو الإنترنت ! رغم أن انفتاحنا على العالم له الكثير من الإيجابيات التي لايمكن تغافلها ؛ فقد خلق سقفاً للحرية أرحب من خلال المنتديات مثلا وبعض المواقع الألكترونية وصار التعبير من خلالها أبسط و منها تطوّرت لدى مجتمعنا طرق التفكير وأساليب الحوار وصار أكثر تقبلاً للرأي الآخر و للنقد والتطوير وحتى للتغيير أيضا ! رغم هذا كله إلا أنه خلق فجوة كبيرة داخل المجتمع ولم تستطع العادات والتقاليد والتربية \"التقليدية\" مجاراته للأسف ! مما أوجد الكثير من التناقضات الغريبة التي نعيشها في عالمنا اليوم ! وأقرب مثال على ذلك : ( النفاق ) الذي يعيشه الكثير من مستخدمي الإنترنت في مجتمعنا للأسف ! ( لست أعمّم ) فالجانب الخيّر هو الذي يظهر للناس في الواقع أما الجانب المظلم وأحياناً \"الكالح السواد\" هو الذي يتجلى في عالم الانترنت عالم المُعرّفات المجهولة والأقنعة المزيّفة ! فبحكم طبيعة مجتمعنا التي تفرض علينا تصنع المثالية في كل شؤوننا ولاتقبل بغير الكمال فقد أتاح عالم الأنترنت أفاقاً واسعة لمن لايملك الجرأة على مواجهة مجتمعه لممارسة كل محرّمِ في شريعة العادات والتقاليد الموروثة أو حتي المحرمات الدينية احياناً ! ( هوس العلاقات بين الجنسين - بمختلف درجاتها- مثال حيّ ) ! مثال آخر تلك المسلسلات التركية التي إستهجنها المجتمع في البداية لكنه أرغم على متابعتها حتى تكوّن لها جمهور لا يستهان به ! وقد لمسنا أثرها على المجتمع ! بل وبلغ التأثير مبلغه فصارت تركيا وجهةً سياحية جديدة \"للعوائل السعودية\" !! وإكمالاً لمسلسل التناقضات والنفاق الذي لاينتهي – للأسف- فإن الجميع استهجن تلك ( الروايات الجنسية ) التي تصدر بين الفينة والأخرى مثل ( بنات الرياض) لبنت الصانع أو (شارع العطايف) لإبن بخيت ورغم هذا الإستهجان إلا أن تلك الروايات لها جمهورها ! بل وهناك من نذر نفسه لنقدها وبيان مواطن الضعف فيها وأنها ليست سوى \" ترّهات \" لاترقى لمستوى الرواية ! عجبي ! هذا التغيير الذي يحدث للمجتمع ورغم أننا نحسّ أن المجتمع بات أكثر تقبلاً للآخر إلاّ أنه خلق أيضاً تصنيفاً للأشخاص بحسب أرائهم ومعتقداتهم إلى طوائف وحزبيات ! فمن السهل جداً وصم هذا ب ليبرالي وذاك ب علماني فقط لأنه وافق تلك الأحزاب بفكرة معينة قد تكون أحياناً مستسغاة أو لها أصل في الدين الإسلامي ! وقد يصل هذا التصنيف لإقصاءه حتى من الملّة ! لاحول ولاقوة إلا بالله ! كم أكره هذا التصنيف ! ولا اعترف به .. ولا أعترف بسوى كوننا كلنا مسلمين ننتمي لدين واحد ونشهد أن لا إله إلا الله ! التأثير الواقع على مجتمعنا صار أكبر وأكثر وضوحاً وصار المجتمع تبعاً لذلك أكثر تقبلاً للتغيير- على مضض- حتى على مستوى المفاهيم والمعتقدات فالحديث عن الجنس والتربية الجنسية صار مطروحاً أكثر من ذي قبل ! بل و يتم الآن المطالبة بتدريسه كمنهج ! ومثله باقي ( التابوه المحرم ) الدين , السياسة , فالنقاش حولها صار مقبولاً ومستساغاً ومتاحاً للجميع ! من نتائج هذا التأثير هو ( معايير الموضة ) في اللباس والعباءة وباقي الكماليات للفتيات وحتى الشباب فقد ولّى زمن ( الكتالوجات ) وحلّ محلها دُور عرض الأزياء العالمية ! ولم يعد مقبولاً أن يقتني الشاب أو الفتاة كمالياتهم إلا حسب الماركة ! وبحسب الماركة التي ( يترزز بها صاحبها ) تكون قيمته بين أقرانه ! سبحان الله ! برغم خطورة هذه المرحلة ( مرحلة المخاض الصعبة ) وبرغم كل التغيّرات التي تحدث إلاّ أن هناك فئامٌ من الناس تدس رأسها بالتراب ولاتعترف بها ولاتقبل بغير التربية التي نشأت عليها قبل عقود من الزمن ! ونسى أو تناسى أن هذا العصر يحتاج إلى تجديد في طرق ووسائل التربية وتحتاج لغرس رقيب ذاتي للفرد منذ صغره ولم يعد زمن الرقيب المتسلط متماشياً مع الواقع الذي نعيشه ! كم أتمنى أن تنتهي هذه المرحلة على خير ونُبشر بمولود سليم معافى من التشوهات لنرتقي بمجتمعنا إلى مصاف المجتمعات المتقدمة ونتفوق عليها كوننا نحمل نبراساً يرشدنا إلى صلاح الدارين ؛ نبراس الحنيفية السمحة ! إلى اللقاء محمد بن علي المشيطي [email protected]