ذات ضحى كئيب من ضحوات بريدة الغالبة والمغلوبة قادتني سيارتي إلى صرح طبي كبير لمراجعة طارئة فرأيت مايراه الأعمى حين يرتد بصيرا ! فلأني لا أحبذ مراجعة المرافق الحكومية إلا مضطرا مما فوت علي فرصا ثمينة تمنحها الحكومة للمواطنين كالمنح والقروض والتسهيلات إلا أن أعباء الجسد أجبرتني على مضض أن أدخل معترك غير مريح قد يستبطن مفاجآت مخيفة وإرهاصات غير مريحة لا لشيء سوى السمعة المكنونة في جوانحنا من العمر الصحفي المضرج بدماء القتلى وصراخ الموجوعين وهوان المراجعين والعبث بأجسادهم ومشاعرهم التي يلهو بها مقص الطبيب والموظف كما يلهو بقصاصات الورق .. رأيت البائسين والخائفين ومن يدهس أكتافهم ، واضطراب شامل ، ووجوه متجهمة ترقب حقها المشروع ولو متأخرا في مسلسل من منن الموظفين المعدمين من أدنى درجات اللباقة والأدب والإنسانية. توقفت في زاوية أرقب الوضع في معركة فيها الكر والفر فأرى نساء قابعات في زوايا مهمشة أو تحت أشعة الشمس اللاهبة بين انتظار مهين للولي ومراقبة أبنائهن في السيارة وقد عمشت عيونهم أضواء الشمس الساطعة والحر والضيق والقرف .. رأيت الكهول والعجائز تحرك كالأمتعة وتتعامل في مقام تسول وقلق وحيرة من مصير مجهول وتعليق لخبر كان .. رأيت الطبيب المتعجرف مسجى بمعطفه الأبيض كالكفن فيبدو في هالة خادعة من ثقل الدم والادعاء المبطن بتوبيخ المريض وعدم الثقة ، ثم تصريف سلاسل من طوابيرالمراجعين كتصريف السيول في حال من عدم الاكتراث وشعار \" ليس بالإمكان أبدع مما كان \" .. رأيت العمالة السائبة في الممرات تتمخط وتراقب عن كثب في فضول وترصد ومحاولات ، وآخرون مكدسون خارج المباني المجاورة في بقعة من عشب ترغي وتهش الذباب ، وأخرى قعدت في رصيف مبنى تمارس هوايتها المعتادة في العبث بأنوفها والبصق يمنة ويسرة .. رأيت أكوام المراهقين وخريجوالمعاهد داخل مكاتب يبصبصون في ريبة وغبطة واتكالية خالصة فمنهم من \"يعلق\" ، ومنهم من يبادل \"المقاطع\" ، ومنهم من يتثاءب ، ومنهم من يراسل ويستمتع ، ومنهم من يحتسي الكأس في غيرمالذة .. وقد شاهت وجوههم ونفوسهم بالفراغ وانعدام الجدية ومهارات التقنية العملية والتفكير بضربة حظ تنقلهم إلى السماوات العلى .. وضع مرعب لاشك .. وأقل درجة من الحس والحدس بهذا الوضع المزري تودي برغبة في التقيؤ من وضع إداري يشعر بالغثيان الدائم والاحتجاج الأليم للنفس الكريمة التي تطلب حقها الأكيد الذي لامواربة فيه حيث لاقانون واضح ولاحقوق معروفة ولانظام محدد وأوضاع غريبة غير منطقية اتخذت منطقيتها العوجاء بالزمن ورضا المواطن من قهر الموظف الذي يتقنع في كل دقيقة بقناع .. فكيف بحالة مرضية ملحة تنتظر موعدا لثلاثة أشهر ! وكيف بمسلسل من الأخطاء الطبية تمر كبديهيات مقبولة في حياتنا اليومية ! وكيف بمظهر الاستكانة والبؤس الملقى في وجوه الآلاف من المراجعين ! وكيف بهوان المراجعين من إذلال \" كثير \" من الموظفين الذين يمارسون سادية طبيعية غدت مقبولة إلى الدرجة التي يقول فيها المواطن في النهاية \" شكرا لك \" ومذيلة بتسابيح من الأدعية الحارة..؟! وكيف بإنسان بسيط متخم بهموم داعية وغير داعية تروعه بموعد ، لالذات الموعد ، وإنما للممارسات الشاذة التي يتلقاها من هنا وهناك ، أو قد تكون مسيجة بأشواك من الإذلال التي لايتنبأ كيف تصدر ومن أين تأتي ؟! إن تلك المرافق وغيرها لدليل قاطع على درجة التخلف المكتسبة الذي لصقت بكل طابع من الطوابع البريدية ، وفي كل قطعة فسيفسائية زينت بلدنا ، بل وفي كل جبهة مواطن لم يتمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أحب لأخيك ماتحب لنفسك ) .. وبعد .. خرجت من ..... كبير واستعددت لاستقبال نسمات الربيع خارج الأسوار فالحياة والطبيعة أجمل وأسخى وأكثر آدمية من الآدميين .. حبيب بن أوج [email protected]