نعيش في هذه الحياة ونظن أننا نتمتع بها ونفهمها ، والحقيقة غير ذلك ، يروى أن احد الأساتذة قام بإقامة حفل لتلاميذه الذين غادروا الجامعة منذ مدة ، بدأ التلاميذ في الحضور إلى منزل أستاذهم الواحد تلو الأخر ، وبدأت النقاشات والحوارات بينهم وتجاذب أطراف الحديث عن ما أنجزه كل واحد منهم منذ مغادرة الجامعة ، وعن الوظيفة ، وظروف الحياة ، أما أستاذهم فقد ذهب لتجهيز القهوة لهم ، قبل أن يأتي بالقهوة قام بإحضار أنواع مختلفة من الأكواب بعضها غالي الثمن وجميل ،وبعضها الأخر رخيص وعادي ، وبجوارها أبريق القهوة ، تسابق التلاميذ في الحصول على هذه الأكواب ، في محاوله للفوز بأجمل كأس ، طلب منهم الأستاذ أن يقوم كل منهم بصب القهوة لنفسه بعد الحصول على الكأس ، بعد أن انتهوا ، قال أستاذهم لقد لاحظت أنكم تسابقتم على الأكواب الجميلة وهذا طبيعي ، مما سبب لكم التوتر والقلق والحقد على بعضكم ، ولكن الجوهر الحقيقي لم يكن الأكواب ، وإنما هو التمتع باحتساء القهوة ، وان هذه الأكواب مهما كانت جميلة لن تغير من طعم القهوة شيئا ، فلن تجعلها حلوة المذاق مثلا وهي مرة المذاق ، إن هذه القهوة هي الحياة والأكواب هي الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية ، فهي بذلك مجرد كؤوس لاحتواء القهوة والتي هي الحياة ، فلن تتغير نوعية القهوة بتغير نوعية الكأس ، كما هي الحياة فلن تستمتع بطعمها إذا أصبحت في قلق وتوتر في الحصول على الوظائف والمال ، علما بأنها أدوات لتعيش الحياة ، كما هي الأكواب أدوات لحتساء القهوة ، لذلك يجب أن لانجعل انشغالنا في اختيار الأكواب يمنعنا من الاستمتاع بالقهوة ، فل نفهم الحياة ونحاول أن نستمتع بها ، ونحمد الله على نعمة العافية التي تجعل للحياة مذاق مميز ، وان لانجعل النظر فيما بين أيدي الناس والحقد عليهم والحسد يمنعنا من التمتع بما في أيدينا ، جميعنا سنعيش الحياة وجميعنا سنغادر الحياة ، ولكن الاختلاف فيمن يعيش الحياة بشكل أفضل ، ويتمتع بمذاقها بطاعة ربه سبحانه وتعالى و شكره على فضله عليه ، وراحة البال من مراقبة الناس والنظر إليهم ، فتمتع بتذوق القهوة بدل أن تظل تراقب أكواب الآخرين وتتمنى أن تكون ملك لك . عبدالرحمن عويض الجعيد