يواجه الاعلام الرسمي أحياناً هجوماً غيرمبرر ويتهم بالتقصير في مواجهة الواقع ، أوالتصدي للمشكلات والأزمات القائمة. وقلما يخلو اجتماع من توجيه انتقاد للإعلام ووسائله المختلفة متهمين إياها بالعجز عن القيام بدورها المرجوا للنهوض بأداء اي قطاع ، كتراجع مستويات التعليم ، وزيادة الاسعار ، وزيادة نسبة العمالة الوافدة ، وسوء استغلال بعض الشركات للمشاريع ، وسوء الخدمات الصحية وعدم مواءمتها مع النماذج والطرائق المطبقة في العالم, والكثير الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية المفترض أن تقوم بواجبها وفق آليات محددة بينما تلقي باللائمة دوماً على الإعلام ، وكأنه الجهة التنفيذية بدلاً منها . ولكن هل ينبغي لهذه الافتراءات أن تستمر أبداً وهل تبقى السمة المحددة لجميع مؤسساتنا ، حيث أن الاعلام هو القطاع الأضعف الذي تعلق عليه الكثير من المشكلات. والغريب في الأمر أن جميع موجهي الاتهامات لم يقدموا بديلاً مقترحاً ، ولم يعرضوا نموذجاً يمكن الإعلام من التأثير في مجريات الأحداث جميعها. وللحقيقة فإن الإعلام الرسمي أثبت مصداقية عالية في توخي الدقة في نقل الأخبار ، ولم يقع في أخطاء كبيرة نتيجة تلك السياسة المتروية في التعاطي مع الأحداث والوقائع ، وهو لم يقع فريسة أشواك السبق اللامع الذي لا يلبث أن يخبو أمام وقع الحقائق المخالفة لذلك الوهج المنطفئ ، فالاعلام الرسمي تحكمه ضوابط والتزامات تميزه بمصداقيته الكبيرة ، وتبعده عن مواقع الزلل والخطأ التي استسهلت ممارستها بعض الوسائل والمواقع. هذه الصورة التي تصبغ الإعلام الرسمي قد تتسبب في تأخره زمنياً في بعض الأحيان ، لكنها ليست السمة الأغلب ، فهي تقتصر على الأحداث التي تتطلب دقة في التعاطي مع تفاصيلها ، الأمر الذي يشير الى أن البحث عن المعلومة الصحيحة يعفي في بعض الأحيان من تقديم عامل الزمن في حال كان دوره ثانوياً . وما من شك انه لا يستطيع أحد ان ينكر أن عالمنا العربي والاسلامي يمر بتطورات خطيرة ، ويواجه تحديات صعبة ، هذه التحديات لها انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على الإعلام بجميع وسائله وأدواته ففي الوقت الذي تكثر فيه الدعوات والمطالبات بضرورة إصلاح الاعلام العربي ومنحها المزيد من الحريات اذ لابد أن ندرك جيدا أننا كجزء من هذا العالم المتغير في ضوء المتغيرات الإيجابية الكثيرة . فهذه المرحلة المتجددة كما يعلم الجميع انها جديدة في توجهاتها ومختلفة في تصوراتها ، كما إنها مختلفة في أهدافها ، ومختلفة في اهتماماتها ، ومختلفة في خططها وبرامجها وأولوياتها . وما من شك أن هذه المرحلة المتطورة تحتاج إلى خطاب إعلامي جديد ومتطور يدرك حقائق المرحلة وانجازاتها. ومن هنا لابد من تغيير مفردات خطابنا الصحفي القديم الذي كنا نستخدمه في المرحلة السابقة وانتهاج مفردات صحفية جديدة ولغة إعلامية عصرية تنسجم مع عصر الانجازات التي نعيشها ونلمسها في جميع زوايا ومرافق الوطن . حيث أننا مطالبون بتغيير الأساليب الصحفية القديمة عندما نناقش قضايانا المحلية ، دون المساس بروح ومبادىء الشعوب ، وجوهر حرية الصحافة ، ولابد أن نعرف كيف نناقش بصراحة ووضوح القضايا الصغيرة الموجودة في الداخل ، دون أن ننفخ فيها أو نخلق مشاكل أكبر منها ، ودون أن ندخل من خلال المناقشات إلى سطور وزوايا معتمة لا نعرف الخروج منها . هذا على صعيد قضايا الداخل ، أما القضايا الخارجية فلابد أن نعرف كيف نعالج الجرح النازف في الخارج دون أن نجرح أنفسنا أو غيرنا . وأتصور أن معالجتنا للحدث الداخلي ينبغي أن تتم من منظور واقعي ، بعيدا عن اثارة العواطف التي تدغدغ مشاعر الرأي العام أو تساهم في تهييجها ، كما أن تغطيتنا للحدث الخارجي ينبغي أن تتم من منظور عقلاني ، بعيدا عن اثارة العواصف أو إشعال الحرائق التي قد تحرق أصابعنا وأوراقنا . وما من شك أننا لابد أن نستثمر المتغيرات الايجابية الكثيرة التي حدثت في بلادنا خلال الأعوام الماضية ، ونستوعب مسار وإيقاع حركة الاصلاحات لدفع مسيرتنا إلى الأمام ، فليس منطقيا أن نناقش قضايانا المحلية بلغة الماضي ، في الوقت الذي تخطو فيه بلادنا بكل ثقة نحو المستقبل وتتقدم صفوف الدول العربية ، كما لابد أن نفهم التطورات الخارجية السلبية التي تحيط بنا ونتصدى لها بالعقل والمنطق دون أن نتصادم معها . وأعتقد في خضم هذه المرحلة السياسية الدقيقة التي يمر بها عالمنا ، وفي اعقاب أزمة عدم الثقة مع العالم الغربي ، حان الوقت لتحديد قواعد وضوابط التعامل الصحفي مع تطورات المستقبل الذي يطرق أبوابنا ، ووضع الأسس لخطاب إعلامي عصري في صحافتنا المحلية يواكب الإصلاحات الداخلية وما أكثرها ويبرز الإنجازات الوطنية وما أكبرها‚ ويتجاوز التحديات الخارجية وما أخطرها .. الى اللقاء .. أخوكم عبد الله عبد الرحمن سليمان العايد [email protected]