بعد أكثر من مئة يوم على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة دون أفق للحسم العسكري، ومع عدم إعلان النصر ونهاية العمليات العسكرية من الطبيعي في التقليد السياسي الإسرائيلي أن تتعالى الأصوات ضد سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ السياسي الأكثر بقاءً في رئاسة الحكومة، إذ يريد إطالة أمد الحرب لعدة أسباب منها: تهم الفساد المالي التي تلاحقه، الفشل الأمني في إحباط عملية 7 أكتوبر، تدني سمعة إسرائيل على المستوى العالمي إلى مدى غير مسبوق. وإن كانت هذه أسباب ظاهرية، فهناك أسباب أخرى يطول سردها، لكن الأكيد أن نتنياهو هو أكثر من يستفيد من إطالة الحرب لأن المصير المحتوم له هو الإطاحة به، لتبدأ إسرائيل صفحة جديدة بعد كابوس (طوفان الأقصى). أصبحت سياسات نتنياهو ورغبته في استمرار الحرب، مصدر قلق للإسرائيليين حتى أن التقارير الأمريكية تشير إلى تضارب في الآراء بين إدارة الرئيس جو بايدن ونتنياهو شخصياً؛ بسبب التكلفة المتزايدة للحرب دون تحقيق نتائج ملموسة، ناهيك عن ردة فعل النخبة السياسية الإسرائيلية على أدائه. حتى أن جو يايدن أغلق الهاتف في وجه نتنياهو في 23 ديسمبر الماضي، إثر الجدل حول استمرار الحرب، ولم يتحدث إليه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع؛ بحسب ما أوردت مواقع أمريكية. يوماً بعد يوم، تتعالى الأصوات التي تطالب نتنياهو بالتنحي وطي صفحة الحرب واستعادة الأسرى بعد أن باتت الحرب كابوساً يطارد المجتمع الإسرائيلي في كل مكان. حتى المؤسسة الأمنية والعسكرية التي يديرها اليوم نتنياهو، تعاني من التصدع بسبب خياراته الخاسرة لرجل لا يرى أمامه سوى الحرب من أجل الاستمرار أكثر، لأن المقولة السياسية الشهيرة في إسرائيل «ابحث عن الكرسي في كل معركة وخلاف». نعم استطلاعات الرأي تتجه إلى مزيد من التطرف ضد نتنياهو؛ الذي حصل في العاشر من أكتوبر الماضي على تفويض حكومة حرب، وهو الحدث الثاني في تاريخ إسرائيل بعد حرب 1967، ومع ذلك بدأ الرأي العام الأسرائيلي ينقلب على الرجل المراوغ. وأظهر استطلاع للرأي لصحيفة (معاريف) يوم 13 يناير أن 29% من الإسرائيليين يرون أن نتنياهو الأنسب لرئاسة الحكومة، وهي نسبة متدنية جداً مقارنة بما أظهره الاستطلاع بأن 42% يرون أن غانتس الأنسب للمنصب. إن مثل هذا الاستطلاع المهين لسياسة نتنياهو، كفيل بأن يماطل إلى ما لا نهاية بإنهاء الحرب على غزة، رغم كل الاعتراضات السياسية، والخلافات التي تضرب الحكومة. لا يمكن للمرء أن يتجاهل المتغيرات في الداخل الإسرائيلي على المستوى الاجتماعي، إذ بات الرأي العام متحداً إلى حد كبير بتنحي نتنياهو، فشوارع تل أبيب لا تتوقف عن المظاهرات ضد حكومته، زد على ذلك تعالي أصوات النخب السياسية التي تطالبه بالتنحي، نعم إسرائيل في حالة من الفوضى السياسية رغم استمرار الحرب. ولا يمكن أيضاً تجاهل رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان الذي قال علناً «إن الحكومة الحالية لم تعُد قادرة على قيادة الشعب»، داعياً إلى ضرورة تشكيل حكومة جديدة. هذه ليست الصورة الكاملة، فالضربة الأقسى بحق نتنياهو كانت مغادرة وزير الدفاع يوآف غالانت اجتماع مجلس الحرب جراء منع مدير مكتبه من الحضور، وسط تزايد التوتر داخل الحكومة التي أوشكت على الانهيار. عضو مجلس الحرب بيبي غانتس أيضاً انضم إلى مسار المعارضة لسياسة نتنياهو، وتصدر المظاهرات في تل أبيب ضد نتنياهو، من أجل الضغط على الحكومة لاستعاد الأسرى لدى حماس. حصاد سيئ، ونهاية قاسية وموجعة لنتنياهو الذي كان يصدر نفسه على أنه السياسي الأكثر حنكة في تاريخ إسرائيل، ولكن من يعرف شخصية نتنياهو المتعجرفة لا يستغرب هذه النهاية. باتت إسرائيل اليوم معلقة بيد نتنياهو؛ ما يعني -بشكل أو بآخر- أن نهاية نتنياهو هي حقبة جديدة لإسرائيل وفلسطين والمنطقة، هذا الرجل الذي كان سيئاً ما قبل الحرب وما بعدها، وعلى الأرجح أن ينتهي نهاية خاسرة مع كل تاريخه السياسي؛ لأنه أصبح رمزاً لتفكك وتصدع إسرائيل.