بعد ساعات من عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على غزة، أطلقت المملكة العربية السعودية حراكاً على مدار الساعة، ودعت إلى ضبط النفس وعدم التصعيد والعمل على حماية المدنيين، وسط التأكيد على أن قرارات الشرعية الدولية، هي الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وبقيت المملكة تراقب تطورات المشهد في قطاع غزة عن كثب، فيما نشطت الدبلوماسية العلنية وفي الدوائر المغلقة من أجل إيجاد مخرج للأزمة الإنسانية والحيلولة دون تفاقم الصراع واتساع رقعة الحرب. وفي 15 أكتوبر الماضي حاول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد زيارته إلى السعودية ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن يقترح حلولاً لوقف الصراع في الأراضي المحتلة، إلا أن مبادراته لم تكن على مستوى مقبول، وعلى ما يبدو كانت مقترحات بلينكن أقل من الطموح العربي، وبالتالي الطموح السعودي الذي يعتبر أن القضية الفلسطينية على رأس الأولويات. السيناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام زار في 21 أكتوبر، السعودية والتقى ولي العهد، وغيّر مواقفه المتشددة ضد الفلسطينيين التي أعقبت عملية 7 أكتوبر، وبينما كان يدعو إلى مسح غزة من على وجه الأرض، قال السيناتور مع وفد من الكونغرس إنه لا بد من إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني، وضرورة خفض التصعيد. وبقيت الرياض تراقب بدقة المشهد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تشدد في كل اللقاءات والمشاورات والاتصالات الدبلوماسية اليومية على حماية المدنيين، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية، ومنع تفاقم النزاع. ولم تكتفِ بذلك، بل أنحت باللائمة على المجتمع الدولي الذي خذل الفلسطينيين طوال سنوات عدة، ولم ينجح على مدى 75 عاماً في إيجاد الحل العادل والشامل لهذا الصراع الملتهب، الذي بات يهدد المنطقة برمتها. ومع تطورات الأوضاع وتعقيدها وبدء الاجتياح البري الإسرائيلي، وارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين في غزة، كان وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، يجري مباحثات مع نظيره الأمريكي لويد أوستن في واشنطن ركزت على ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، والتأكيد على أن العنف لن يولد إلا العنف المتبادل. وفي البيان الثاني في 31 أكتوبر الماضي، حول العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، أدانت المملكة الاستهداف غير الإنساني لمخيم جباليا الذي راح ضحيته نحو 400 قتيل وجريح، وحملت الاحتلال المسؤولية الكاملة لأي تدهور للأوضاع الإنسانية. بمعنى أو بآخر، من يراقب ويعلم موقف السعودية، يرى أن الحركة السياسية والدبلوماسية لم تتوقف منذ اللحظة الأولى في 7 أكتوبر، إذ تدرك المملكة أن ثمة حدثاً كبيراً في المنطقة من شأنه أن يتدحرج إلى عواقب سيئة على الأمن الإقليمي وحتى العالمي؛ لذا كانت الحركة على أعلى المستويات، وتضمنت استقبال المسؤولين الغربيين في الرياض أو التحرك خارجياً من أجل وضع العالم أمام مسؤولياته، خصوصاً ما يتم تداوله في موضوع تهجير أهالي غزة إلى سيناء الأمر الذي ترفضه السعودية إلى جانب مصر؛ كي لا يتحول أصل الصراع في الأراضي المحتلة إلى مسألة لاجئين هنا وهناك. وأثبتت التحركات السعودية في الآونة الأخيرة كما كانت من قبل أنها الدولة التي تعرف كيف ومتى تتحرك لمنع تفاقم الأزمات، وهذه ليست المرة الأولى التي تكون السعودية الواجهة الصادقة للقضية الفلسطينية. ما تقوم به السعودية اليوم، هو موقف ثابت من القضية العربية المركزية لا يتغير بتغير موازين الصراع أو بتغير المعطيات الإقليمية، وهي مسألة واضحة بالنسبة للسعودية، توجهها السياسي في أن الحل الوحيد يكمن في حل الدولتين، وفي تفاصيل المبادرة العربية للسلام، التي سيؤدي تنفيذها إلى إنهاء عقود من الصراع. إن حملة التبرعات التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ ما هي إلا تأكيد على المواقف التاريخية الداعمة للشعب الفلسطيني، خصوصا أن السعودية كانت ومازالت من أوائل الدول التي نقلت القضية الفلسطينية إلى كل المحافل الدولية ماديا ومعنويا؛ لذا فإن هذه الحملة تعبير صادق من القيادة والشعب السعودي على مدى الارتباط بفلسطين. وبكل تأكيد، فإن الجهود السعودية من أجل وقف التصعيد ووقف قتل المدنيين والوقوف مع الفلسطينين لن تتوقف عند هذا الحد، ذلك أن السعودية لن تدخر جهداً من أجل القضية الفلسطينية، ومن أجل إيجاد حل عادل لها، ومن أجل إيقاف حمام الدم في غزة.