إيران تعلن رسمياً مصرع الرئيس ووزير الخارجية    تعليم البكيرية يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في حادث تحطم طائرة مروحية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    برعاية الملك.. انطلاق مؤتمر مستقبل الطيران في الرياض.. اليوم    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    رئيس وزراء اليونان يستقبل العيسى    جائزة الرعاية القائمة على القيمة ل«فيصل التخصصي»    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزير الخارجية يبحث ترتيبات زيارة ولي العهد لباكستان    المملكة تؤكد استعدادها مساعدة الأجهزة الإيرانية    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    تأجيل تطبيق إصدار بطاقة السائق إلى يوليو المقبل    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    أمير تبوك يرأس اجتماع «خيرية الملك عبدالعزيز»    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    جائزة الصالح نور على نور    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    الاشتراك بإصدار مايو لمنتج «صح»    "إنفاذ" يُشرف على 38 مزادًا لبيع 276 من العقارات والمركبات    5.9 % إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي    الخارجية: المملكة تتابع بقلق بالغ ما تداولته وسائل الإعلام بشأن طائرة الرئيس الإيراني    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    الانتخابات بين النزاهة والفساد    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينما والحيوانات: الأفق غير المنتظر للفن السابع
نشر في عكاظ يوم 24 - 02 - 2018

كل شيء تحوله السينما إلى مادة قابلة للهضم والتحويل.. إنها آلة تضع كل شيء وفق تصورها الفني ويدخل في معجمها الكبير.. كيف تعاملت السينما مع الحيوانات؟ هل تعاملت بنفس القدر بتعاملها مع الإنسان؟ وكيف استطاعت تحويل الحيوان إلى فرجة سينمائية؟ ولماذا أهملت السينما العربية موضوع الحيوان في إستراتيجية الفرجة السينمائية؟
شيطنة السينما
ظلت السينما منذ انطلاقتها وفية لتعاملها مع الحيوانات.. وكانت أكثر الحيوانات حضورا القطط والكلاب، وهي أكثر المخلوقات ارتباطا بالإنسان، ربما لسهولة تدجينها وألفتها وربما لوفائها وطيبتها، ومع توالي السنين أضحت السينما مطالبة بالتعامل بعقود مع قطط وكلاب.. تحمل أسماءها تربى بهدف القيام بأدوار سينمائية محدودة. وغدت بعض القطط والكلاب، أبطالا في أفلام بعينها. حولت السينما القط والكلب الأليف إلى جيش من القطط والكلاب الشريرة التي تهاجم الإنسان وتريد التحكم فيه وفي مصيره وبالتالي وجب مقاومتها، هنا السينما تتخيل الحيوان المفترس والصراع الطبيعي بين الإنسان والحيوان وقدرة الإنسان على التفوق عليه بقدرته الذكائية، لكن فكرة التجريب في السينما تسمح بتجريب أفكار القط الأليف الذي يظهر في الأفلام الأمريكية رفيقا للأسرة وعنصرا مهما من أعضائها وليس فقط عنصرا مهمشا وغير فاعل. والقط الأسود الشرير الذي تسكنه الأرواح الشريرة الذي ينظر بريبة إلى الإنسان، والقط الممسوخ الذي يتحول إلى إنسان أو العكس كما الحال في فيلم «المرأة القطة» وكما هي أفلام كثيرة لشركة والت ديزني. رسخت السينما انطباع مسخ الإنسان إلى قط أو إلى حيوان بقرون، بالعودة إلى الميثولوجيا الإغريقية وذلك بتناسخ الأرواح وبإمكانية التحويل الممكنة بحضور الأرواح الشريرة التي تلاحق الإنسان. وتعود الفكرة إلى مسخ (.....) وتحولها إلى حيوانات شيطانية.. وهنا نتحدث عن مفهوم شيطنة السينما.
حيوانات الشر حيوانات الخير
تصور السينما الغراب دائما على أكتاف السحرة والساحرات وبالقرب من المقابر ويحمل الأخبار المزعجة، ويقف البوم وحيدا وينظر بتوجس إلى القادمين. ولم تمنح السينما هامشا أكبر لهذين الحيوانين باعتبارهما نذيري شؤم وبؤس. وارتبطت سينما الرعب بالغراب والبوم والخافيش القاتلة التي تهجم على مدينة بكاملها وتحاول القضاء على الإنسان ويقاومها.
روعة سينما الويسترن في جيادها.. وكثيرا ما نقرأ أسماء خيول أصيلة في جنيريك أفلام الويسترن ومنحها حيزا كبيرا في بنية السرد السينمائي.. ولا حديث عن هذا الجنس السينمائي دون الحديث عن موت الفرس ورعاية الجياد البرية في البراري وتدجينها... ولا غرابة أن تسمى هذه السينما برعاة البقر. في سينما الويسترن تكريم للفرس وحميمية كبيرة وعاطفة جياشة تربط بين الفارس والفرس أبدع المخرجون في تصويرها. وهناك لقطات مؤثرة عن موت الفرس وانهمار دموعه قبل الرحيل وانتقام الفارس لموت فرسه. كوكبة الخيول وهي تجري بسرعة كبيرة في البراري والمروج وبالقرب من القطارات في لقطات ومشاهد بانورامية منحت هذا الجنس السينمائي أفقا بهيا عن قدرة هذا الكائن على منح سعادة كبرى لهذا الإنسان ووفاء قل نظيره.
تصور السينما الخيول في حالة جر للعربات وفي حالة امتطائها وفي حالة الرهانات وفي سباقات الخيول الشهيرة والمؤامرات التي تسمح بقتل الخيول للفوز بالسباق.
الحيوان الطبيعي والاصطناعي في السينما
في موقف إنساني كبير رفض مخرج فيلم «أندايانا جونز» من بطولة هاريسون فورد إحراق عدد كبير من الفئران بدعوى أنها تحمل أرواحا وأنها مثل الإنسان.. وعوضها بفئران اصطناعية.. الفأر هذا المخلوق الصغير والعجيب صورته السينما في مظاهر القبح ومظاهر الوداعة.. في هجوم الفئران بأعداد كبيرة وتحولها إلى وحوش ضارية تنقض على الإنسان وتقتله، ووديعة كما هو الحال في الصداقات التي تجمع الفأر ببطل الفيلم وهي تحمل دلالات رمزية قوية كما هو الحال في فيلم «الممر الأخضر» حيث صاحب فأر محكوما بالإعدام ويشهد على حجرة الإعدام وما يقع فيها.
تسيطر فكرة الألفة والصداقة بين الإنسان والحيوان في السينما. وكذلك رغبة الإنسان الذي يريد أن يتحول إلى طير في رمزية لسيطرة فكرة الحرية عليه كما في الفيلم الشهير «الطير». وتربي نجمات هوليود مثل مارلين موني عددا من العصافير المزقزقة وتطعمها برعاية في أقفاصها. وتظهر في عدد كبير من الأفلام الهوليودية حالة الأنس بين نساء يعشن حالة من العزلة وصداقة تجمعهن بالعصافير.. فما السر في ذلك؟
وحدها الذئاب تشكل وحدة كاملة في دورة سينما الحيوان.. فلا غرابة أن تصل أجزاء فيلم «الرجل الذئب» إلى أكثر من خمسة أجزاء للنجاح الكبير الذي تعرفه هذه النوعية من الأفلام. أولا لما يمثله الذئب من ذكاء وشراسة وقوة وفي قدرة السينما إلى تحويل هذه الثلاثية إلى أبعاد فرجوية. فاللحظة القوية حينما يتحول الإنسان إلى ذئب ومن ثم يبدأ الصراع الشرس ودون رحمة في إطار الصراع الأبدي بين الخير والشر. تتخصص السينما الهوليودية في هذه النوعية من الأفلام التي تكلف ميزانية كبيرة جدا، إضافة إلى صناعة نجوم للشاشة الكبيرة.
قوة هذه السينما في قدرة بنائها السردي ومتوالياتها الحكائية وقدرتها على نسج شخصيات عادية تتحول إلى ذئاب ووحوش لا تهاب الموت بأنيابها الكبيرة والحادة، تغلف هذه السينما وتمزج بسينما مصاصي الدماء وشهوة الدم والصراع بين المتحولين والإنسان. سينما الحيوان بين الواقع والخيال تتنوع وتتوزع سينما الحيوانات، وهي ليست على نمط واحد وفكرة واحدة؛ تقتفي آثار الكثير من الحيوانات وتخضع لسيرورة تطور الفن السينمائي والتقنيات الكبيرة في التصوير والإخراج وطرق إبداع الشخصيات ومزج الواقعي بالمتخيل لإتاحة هامش كبير للفرجة السينمائية. الدببة القطبية البيضاء والأجواء القطبية الباردة والقبائل الرحل تصنع قصصا للصراع بين الإنسان وصداقته معها تارة وقتله إياها في أحايين كثيرة. رغم الشراسة القوية استطاعت السينما ترويض الدببة وفق قوالب سينمائية تمتح من البيئة الطبيعية والاستفادة من شساعة المجال الجغرافي الأمريكي وتجارب تدجين الحيوانات وتكيفها مع قوالب الإنتاج السينمائي.
أشهر سينما الحيوانات التي لا يمكن القفز عليها.. الغوريلا الجميلة في فيلم «كينغ كونغ» التي تذرف الدموع في أعلى مباني نيويورك في مشهد بديع سينمائيا وهي تتلقى الرصاص من هيلوكوبتر درءا لعيون الحبيبة المغرم بها. تطورت أفلام القردة بشكل كبير جدا وحقق فيلم «مملكة القردة» بتقنياته المتفردة وتنوع شخوصه والطبيعة السردية للحكاية وقدرة ذكائها ونطقها وتفوقها على الإنسان.. ساهمت في إيضاح معالم جديدة لنظرية النشوء والتطور. في فيلم «قراصنة الكاريبي» من بطولة جوني ديب ثمة قرد مشاكس يقفز على ظهر السفينة وعلى أكتاف القراصنة خالقا نوعا من الفرح الطفولي. في النسخ السينمائية لا يستطيع المشاهد التمييز بين القردة الاصطناعية والقردة الحقيقية نظرا للتفوق الهوليودي في مجال تقنيات التصوير. هذا المزج وهذه التوليفة الكبيرة في نسج الشخصيات الفيلمية انطلاقا من تاريخ سينمائي كبير والاشتغال على أفكار مغايرة في قوالب سينمائية متنوعة.
سينما الحيوان بين المبالغة والغرائبية
الأناكوندا.. الأفعى المجلجلة وبقدرة السينما على المبالغة في تصويرها بأرواح متعددة وقدرتها القتالية في هجومها على زوار الغابة وفي حراسة جزيرتها حيث صورت الأفعى بطول أزيد من 10 أمتار وبضخامة كبيرة جدا تمنح لهفة للمشاهد في تقفي المشاهد وحبكة القصة بالمواجهة المحتومة بين أبطال الفيلم والأفعى العملاقة. الأفاعي السامة تستعمل كوسيلة فعالة في القتل في كتابة سيناريوهات الأفلام الهوليودية بوضعها في أسرة النوم وانتظار الأسوأ.
التجارب العلمية وما تقود إليه في بعض الأحيان من فظاعات يستغلها محترفو كتاب القصص والسيناريوهات الفيلمية بتحويل النحل ولسعاته والنمل إلى كائن غريب يهاجم المدن والقرى ويستنفر السلطات لرفع التحدي ومواجهته. أفلام شهيرة للنحل تنتقل من تربيتها إلى حلقات مثيرة تشتغل على النحلة العملاقة وعلى ملكة النحل التي توجه الجموع للثأر والانتقام. كما هو الحال في مملكة النمل وأسراب الجراد التي تصورها السينما بقدرة عجيبة وغرائبية. هنا يمكن الحديث عن العجيب والغريب في السينما والاشتغال على الأفكار المغايرة والتجربيبة لشد المشاهد والانتقال به من الاعتيادي والنمطي إلى أفق غير منتظر بقدرة تخيلية كبيرة مشتغل عليها ومفكر فيها بطريقة جيدة. أسماك القرش تشكل وحدة متكاملة في الأعمال السينمائية بطرق جديدة في ابتداعها بين الضخامة والجمال والقوة. بالنظر إلى تاريخ أفلام أسماك القرش العملاقة وأجواء البحار والمحيطات والمصايف وشواطئ التخييم تنسج قصص أسماك القرش بأسنانها الكبيرة حينما تنقض على أعدائها مخلفة بقعا ومساحات من الدم.
تعج سينما أمريكا اللاتينية بسينما الديكة وإعطاء قيمة كبرى للديك وصراع الديكة كلعبة جماهيرية شهيرة. نسور السينما وسينما العجائبية وحضور هذا المخلوق الأسطوري بترفه ونظرته الثاقبة في أعمال كبيرة جدا والتركيز على هيبته وعلى ضخامته وتحليقه في الأعالي.
وحده الأسد ملك الغابة يحضر في عدد لا متناه من الأفلام ونسج قصص خيالية يمتزج فيها الواقع بالخيال. هذا الحضور القوي للأسد في السينما وذلك بالاشتغال على رمزية القوة والهيبة والنخوة. صورت الكثير من الأفلام في الغابات الأفريقية بحضور الأسد كبطل فيها. تشكل الغابة محورا أساسيا وفضاء بامتياز لهذه الأعمال السينمائية، إلى جانب البحار والمحيطات والأنهار والمنازل والطائرات والسفن والقطارات والمدن والصحاري.
في السينما الهندية يحضر الفيل بقوة كأمر اعتيادي تنسج من خلاله حكايا وقصص فيلمية ويحضر في سينما السيرك إلى جانب باقي الحيوانات. في سينما السيرك تحضر أغلب الحيوانات ويتم ترويضها لخلق فرجة جماهيرية مشوقة.
في السينما العربية لا يمكن الحديث إلا عن تجارب قليلة وحيوانات قليلة استخدمت في هذه الأفلام بشكل باهت ومحتشم لمجموعة من الاعتبارات الذاتية والموضوعية.
وحدها الغزالة تصور في السينما فريسة وعرضة للاصطياد، ووحده الحمار يحضر في السينما دون أن يكون له تأثير كبير وهو فقط يؤسس المشهد الفيلمي.. حتى السينما لم تنصف الحمار أيضا.
* ناقد سينمائي مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.