مفخرة التطوع    مطار الملك خالد يدشن وجهته الجديدة إلى روما    تاسي يعود للهبوط وسط تراجع جماعي للأسهم    صالة مسافرين جديدة بجسر الملك فهد    20 مليار ريال فرصاً استثمارية بالثروة الحيوانية    مودي يحتفل بفوزه في الانتخابات الهندية رغم تراجع غالبيته    مجلس الأمن أمام خطة بايدن لوقف إطلاق النار في غزة    الكوريتان نحو منعطف خطير    دراسة: إنفلونزا الطيور تقتل القطط    غموض موقف سالم الدوسري من مواجهة باكستان    مبابي «فتى الضواحي» نجم الريال المنتظر    نونيش بديلاً لأوتافيو في تشكيلة البرتغال    دي بروين يُلمح للانتقال إلى دوري روشن    الوزراء: تعديل نظام شركات التمويل.. وتحمل ضرائب المواشي    40 مشروعاً تتنافس على «موسم المعمول» في الحج    بدر بن عبدالله يُثمّن اعتماد مجلس الوزراء تنظيمات الهيئات الثقافية    الذييب يدشّن «جمعية اللغة العربية للناطقين بغيرها»    «تيم لاب بلا حدود» يفتح أبوابه في جدة التاريخية    مؤتمر دولي لعرض مسيرة فصل التوائم بالسعودية    تدخل جراحي ينقذ ذراع مقيم من البتر    نيمار: فينيسيوس هو من سيفوز بجائزة الكرة الذهبية هذا العام    مسبار صيني يجمع عينات من القمر    ضبط (3) أشخاص بجازان لترويجهم (142) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    معالجة المستنقعات بالمبيدات الكيميائية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأمريكي المستجدات في قطاع غزة    برجيل القابضة الإماراتية وكيرالتي الكولومبية تعلنان مشروعاً مشتركاً لحلول الرعاية الصحية الفعالة من حيث التكلفة في السعودية    350 ألف طالب وطالبة يؤدُّون اختبارات نهاية العام بعسير    دراسة: الحياة على الأرض نشأت في السعودية    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران في زيارة لمدير الجوازات    وفد المملكة يشارك في أعمال دورة مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات 2024م    قطاع ومستشفى محايل يُنفّذ حملة "التوعية بلقاح حج"    أبرزهم نجاد ولاريجاني وقاليباف.. 80 مرشحاً لرئاسة إيران    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس الجمعية التاريخية السعودية        انطلاق منافسات بطولة العالم للبلياردو (9 كرات) بجدة    أمير الحدود الشمالية يتسلّم تقريرًا عن مهام وجهود حرس الحدود بالمنطقة    قوافل الحجاج تغادر المدينة إلى المشاعر المقدسة    طلاء لتبريد المنطقة المحيطة بمسجد نمرة لخفض درجات الحرارة    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على جازان وعسير والباحة ومكة    رئيس هيئة الأركان العامة : جامعة الدفاع الوطني تؤسس لمرحلة جديدة وانطلاقة مشرقة لمستقبل تعليمي عسكري احترافي    جماهير الهلال تترقب موقف بن نافل    محفظة Nusuk Wallet لخدمة الحجاج والمعتمرين    تعاوُن سعودي – برازيلي في الدفاع    «التنسيق السعودي الكويتي»: رؤية مشتركة في الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية    الصمعاني يدعو خريجي المركز العدلي إلى الممارسة المهنية الشغوفة    «العقار»: تراخيص جديدة للبيع على الخارطة ب 6 مليارات ريال    كلما زاد زملاء الدراسة المضطربين عقلياً.. زادت فرص إصابتك !    سفير خادم الحرمين لدى كوت ديفوار: خدمة ضيوف الرحمن مبدأ ثابت في سياسة المملكة    محاصرة سيارة إسعاف !    أمير عسير يفتتح مقر" رعاية أسر الشهداء"    محافظ بيش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية بالشخوص ميدانياً    محمد بن سلمان.. الجانب الآخر    القرار    منفذ حالة عمار يواصل خدماته لضيوف الرحمن    الحركة و التقدم    نهاية حزينة لحب بين جنية وإنسان    « شاهد على وطني » .. الفال يرسم شمس المستقبل    الخريف يزور المغرب لتعزيز التعاون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنين1 جنين2 ثم ماذا بعد
نشر في الوطن يوم 09 - 07 - 2023

ما جرى أخيراً في جنين شجع سلطة الاحتلال الإسرائيلي على التهديد بجعل نابلس «جنين ثانية» وربما بعدها رام الله وأريحا وطولكرم والخليل «جنين ثالثة ورابعة...». وبوجود زمرة متطرفين متعطشين للدماء في حكومتها لا تحتاج إسرائيل إلى تشجيع، فهي سجّلت قبولاً ودعماً ل«العملية العسكرية» من جانب الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة، التي لم ترَ في الأمر «عدواناً»، ولم ترَ القتل والدمار والتهجير، ولا ما يستحق مجرد إدانة بمعايير القانون الدولي. هذه الدول نفسها دانت روسيا التي سمّت غزوها لأوكرانيا «عملية عسكرية خاصة»، وقدّمت ولا تزال تقدم كل ما يلزم من أسلحة وأموال لمقاومة تحوله إلى احتلال روسي دائم.
أما الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين فإنها تقاربه بالمعايير التي تحددها قوة الاحتلال، إذ تشير إلى «الأراضي» لا إلى فلسطين، وإلى «إرهابيين» لا إلى مقاومين للاحتلال. وقد أدى تشويه المبادئ الأممية وتسفيهها إلى اقتصار الموقف الأوروبي على استنكار «استخدام القوة المفرطة» أو «الاستخدام غير المتناسب للقوة»، وإلى اتباع الأمم المتحدة الغموض حيال «العدوان» واكتفائها بإدانة «كل أعمال العنف ضد المدنيين بما ذلك أعمال الإرهاب»، ومع ذلك طالبتها إسرائيل بالتراجع عن هذا الموقف.
أياً تكن الاعتبارات السياسية فإن ما تشهده الضفة الغربية حالياً، وما شهده قطاع غزة مراراً، هو نتيجة طبيعية لقتل إسرائيل (والولايات المتحدة) «حلم السلام» والإصرار على تكريس الاحتلال وتوسيعه بالضم والاستيطان، وكذلك تعميقه بإدامة الانقسام الفلسطيني للتذرع بعدم وجود قيادة فلسطينية يمكن اعتبارها مرجعية أو «شريكاً» في تسوية ما. وكان تحليل الوضع الفلسطيني طوال العقدين الماضيين يفضي دائماً إلى إحدى نتيجتين: إما بقاء الآفاق مسدودة لقبول الاحتلال، وهذا ليس خياراً. أو العودة إلى المقاومة كما قبل اتفاقات أوسلو على رغم التغييرات التي طرأت على القضية الفلسطينية عربياً ودولياً.
بين الحفاظ على مكاسب حصلها الفلسطينيون على طريق إقامة دولتهم، وإبقاء احتمال «التسوية» قائماً، اختارت السلطة الفلسطينية أن تبقى وتصبر، لكن معطيات مرحلة الانتظار هذه راكمت خسائرها داخلياً ولم تأتِ بأي تطور خارجي إيجابي، كما فسدت علاقتها الإجرائية مع الجانب الإسرائيلي- «الشريك»/ العدو الذي يزداد تغولاً وتطرفاً وعنفاً كلما حاولت السلطة تحقيق أي مكسب سياسي يتيحه القانون الدولي ومؤسساته. في الأثناء راح الصراع الإقليمي يحتدم وينعكس أكثر فأكثر على الانقسام الفلسطيني، بفعل الدور الإيراني الذي تناغم «موضوعياً» مع رغبات إسرائيل (والولايات المتحدة) في تمديد الصراع للتهرب من متطلبات التفاوض والسلام.
في سياق كهذا كان لا بد من نهوض المقاومة للاحتلال، وأسهمت الممارسات الإسرائيلية في تحفيزها واستفزازها، إلى أن ظهرت بصورتها الحالية في جنين وغيرها. كانت «سلطة رام الله» استخلصت من القمع الإسرائيلي الوحشي ل«الانتفاضة الثانية» (عام 2000 وما بعده) توجهاً إلى أنماط أخرى من العمل الوطني، وإلى إيثار الحياة على الموت، ثم روجت ل«المقاومة الشعبية»- المدنية لكن سلطة الاحتلال لم تغير أساليبها القمعية- الدموية حيال النشطاء المدنيين، بما في ذلك قتل نشطاء أجانب. وفي الوقت ذاته راحت تخوض حرباً تلو أخرى على قطاع غزة، بما فيها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية استطاعت واشنطن وعواصم غربية أخرى طمسها ومنع أي مساءلة أو محاسبة لإسرائيل عليها، لا في المجلس الأممي لحقوق الإنسان ولا في المحكمة الجنائية الدولية. ثم جاءت حقبة «ترمب- نتنياهو» السوداء التي ضربت كل مقومات «حل الدولتين» ولا تزال مفاعيلها قائمة مع الإدارة الأمريكية الحالية وبوجود أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً.
على رغم الخسائر البشرية والدمار، أوحت غزة بالنمط الجديد من مقاومة الاحتلال في الضفة، ليس فقط بمساهمة من حركتي «حماس» و«الجهاد» أو من إيران، بل لأن الوضع الرمادي في الضفة لم يعد يُحتمل. ويفيد تاريخ المقاومة الفلسطينية بأنها احتاجت دائماً إلى دعم من جهة أو جهات عربية، وفي غيابه تقدمت إيران للحلول محله خدمة لمشروعها ونفوذها، لكن أيضاً لأن هناك طلباً محلياً للمساعدة. وهكذا، فإن النمط الجديد من المقاومة يقوده مخضرمون خبروا الانتفاضة الثانية وتجاوزوا ما حققته وما لم تتمكن من تحقيقه، ويخوضه شباب سدت أمامهم الآفاق والخيارات فعادوا إلى الاستهانة بالموت، لكن مقاومتهم تظهر مع كل مواجهة ضد قوات الاحتلال أكثر تطويراً لقتاليتهم وإمكاناتهم وأساليب عملهم.
في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة لم تتردد قوة الاحتلال الإسرائيلي في تهجير الأحفاد في مخيم جنين بعدما هجّرت الأجداد من بلداتهم وقراهم إلى هذا المخيم وسواه. بل إنها تباهت بقدرتها، أخيراً، على اقتحام المخيم في أي وقت تريده متجاوزة تعقيدات كانت موجودة سابقاً، لكن كل ما حققته كان الدمار، أما أهداف «الردع» و«القضاء على المقاومة» فتبقى رهن مفاجآت المستقبل. واقعياً، لم تحقق إسرائيل أهدافها، بدليل أن مناقشات الحكومة في اليوم الثاني من العدوان شهدت خلافاً على تقويم «إنجازات» اليوم الأول ولم يكن هناك توافق على أن النتائج كافية، إذ لم يُقتل عدد كاف من المقاومين الذين قدّرتهم المعلومات الاستخبارية بثلاثمئة وخمسين شخصاً، ولم يُقتل أو يُعتقل أي من القادة، أما إبراز تدمير مصانع للعبوات وكاميرات وأجهزة اتصال لتضخيم الإنجازات فلم يُقنع حتى المحللين العسكريين الإسرائيليين الذين شككوا بأن تتمكن هذه «العملية» أو سواها من تغيير الأوضاع على المدى القريب، ثم إن العديد منهم تجرّأ أخيراً على القول إن انعدام الأفق السياسي يعني «استمرار العنف». لكن أي أفق سياسي يمكن أن يوافق عليه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش؟
بين الذرائع التي قدمتها سلطة الاحتلال لتبرير عدوانها أنها «مضطرة» للقيام به بسبب «تقاعس» السلطة الفلسطينية، لكن اضطرار حكومة المتطرفين للنظر في منح هذه السلطة «صلاحيات» لإعادة الاعمار أو تسهيلات وامتيازات اقتصادية يعني أولاً أن العدوان لم يتوصل إلى التغيير المتوقع للأوضاع، وثانياً أن الاحتلال يعود إلى السلطة لتثبيتها في وظيفة الشؤون البلدية التي رسمها لها، وليس من شأن هذا النهج أن يدوم أو ينجح. ذاك أنه في أحسن الأحوال يمكن أن يهدأ التوتر جزئياً وآنياً، لكنه مرشحُ لأن يقود إلى صراع/ اقتتال فلسطيني- فلسطيني ما لم يظهر ذلك «الأفق السياسي» بوضوح، فالقضية الأساسية هي إزالة الاحتلال.
* ينشر تزامنا مع النهار العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.