يأتي العيد نابضا جمالا وعشقا حاملا الفرح الذي يتوالد مع كل تحية حب ومعانقة الأحباء والأقارب. وكلما مددت يدا نبض العيد متضاعفا، عندها يدق دقاته الضاحكة كطفل لأربعة أشهر يشهق بضحكات السعادة والرضى، تفتح له الأبواب لبيوت مزينة بالحب والشوق، ومعطرة بماء الورد والكادي والبخور، الصغار يزهون بملابس العيد وفتيات تتزوق أناملهن بالحناء.. عندها يسير الفرح متبخترا بين الموائد الممتدة.. يقتنصه الناس ويدعونه للدخول لقلوبهم.. عندما يأتي العيد نابضا بالهناء واقفا على الأبواب، لا يطلب الإذن لكنه يوزع الفرح، العيد عندما ينبض يقسم الفرح على الصغار، يهيب بهم ذوقوا الفرح هنا وهناك، دعوا الدواليب تطر بكم شاهقة نحو السماء. عانقوا الغيمات والعبوا مع النجمات، فالعيد يفرش جناحيه، العيد يمر من هنا وهناك، ماسكا الفرح بيد والألعاب بيد أخرى. العيد كثيرا ما يجلس باكيا على أبواب مغلقة لا يقدر تجاوزها وعلى السدود التي تمنع الهواء والطير ونسائم الحب، وتؤلمه أصوات حزن لا يستطيع أن تغيرها بضحكات السرور.. العيد عندما يريد أن يطل على تلك الأماكن يتسلق الحواجز والجدران يريد أن يبعث ريح فرح معطرة يجد أن هناك كاتما للهواء، يسرق الفرح والعطر قبل وصوله.. عندما يقوم العيد ليرى البهجة على الوجوه يتألم كثيرا حيث يرى الفيضانات والموت والمرض والدمار تقتات الناس لا تعرف رمضانا ولا عيدا، ولعلعات الرصاص تملأ الأمكنة.. يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ينزل قليلا متوجسا يخبئ الفرح بين جنبات عباءته، لم يكن يتوقع أنه بهلاميته سيكتشف قانصو الفرح أنه موجود وفي جنباته الشيء الذي يمنعونه عن الأطفال، إنه مهرب للفرح الذي صادروه منذ زمن بعيد.. يهجمون عليه فيتلاشى وتبقى دموعه بذورا في أرض تقحل كل دقيقة، تأتي دموع الأمهات لتسقيها، لكن سرعان ما تجف مثلما جفت الضمائر. العيد يفر فزعا يؤلمه الفقر وهو يذيب زهرات العمر، وتؤلمه الحروب وهي تبيد الزرع وتقتل الآباء والأمهات وتحيل الصغار لأيتام، وتؤلمه الجحافل التي تأتي من مغرب الشمس لتخرس أصوات الفرح في مشرقها. ويؤلمه أن ذوي اللسان الواحد والدين الواحد يتفرقون، بينما متعددو الألسن يتوحدون.. العيد يعرف أنهم لا يحتاجونه ورغم ذلك هم كل يوم في عيد، عرفوا كيف يبقون العيد مقيما، وكيف يكسبون بقاءه لأطول مدة. العيد جلس حزينا، لم يعد لديه فرح يقسمه، ولا ألعاب ولا حلوى.. انضم للباكين لكنه خجل من دموعه عاجلا وكفكفها وقرر أن يتحدى، ومنذ ذلك اليوم وهو يعود متحديا.. فمن يرى منا العيد عليه أن يسلم عليه ويقبله من بين عينيه ويشد على يده ويشكره على إصراره وعزيمته.