إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية كان السلاح المتاح لأبناء القبائل ما يحصلون عليه مما يرد إلى البلاد عبر تجار السلاح، وما يحصلون عليه من الحكومة هدايا أو تسليحاً للدفاع عن مصالحها، أو إثارة الخلافات فيما بين القبائل أو بين زعماء القبيلة الواحدة من مبدأ فرق تسد، ويحدث الحصول عليه أحياناً من وراء كسب المعارك التي تحدث بين الدولة والقبائل، أو ما يباع. وكانت البنادق والمسدسات بأنواعها والسيوف والجنابي والغدارات أكثر الأسلحة انتشاراً، وكان أحدث البنادق حينها أم خمس وأم إحدى عشرة طلقة. أما مصادر البنادق فألمانيا وروسيا ورومانيا والبلجيك وغيرها وسوف نبين ذلك فيما بعد من خلال النصوص والشواهد. أما القيمة المعنوية للسلاح فتلك التي تصنعها الضرورة وتوجدها الحاجة، ومجتمع الجزيرة العربية مر بمشكلات أمنية عصفت بالحياة فيه فاعتمد الناس على القوة لسلب الأضعف ماله وإطعام الغزاة وفقرائهم، كما كان يصنع الصعاليك، وتندرج المكاسب من الكسب الجماعي حسب القوة الجماعية ممثلة في القبيلة، إلى الكسب الفردي وتغلب الأقوى ببدنه وسلاحه على القوي غير المتكافئ، وعلى المجرد من السلاح ولذا قالوا: يا ربعنا كيف الولد يمشي بسيبه ما يحسب أن السيب منقود عليه ليا طب سوق الخوف ما سبحه يثيبه ولا ينقل القالة إذا حجت عليه والسيب هنا هو التجرد من السلاح الذي يمتنع به من الاعتداء، والناس تنتقد الرجل الذي يسير بدون سلاح، فمهما أوتي من قوة البدن وحدة الذهن فإنه قد يبلى بمن لا يعترف بغير منطق القوة، أو من لا يعير الآتي اهتماماً إذا ما تحققت له مصلحة ذاتية، وعندها يذهب المغدور به ضحية إهماله. فالمكانة أو القوة البدنية أو غيرها من الوسائط لن تفيده، ولن يستطيع أيضاً أن يؤدي حق الواجب الاجتماعي من نجدة أو نخوة وغيرهما إذا لم يكن السلاح رديف القوة البدنية والذهنية والمكانة الاجتماعية. من هنا نشأ حب أبناء الجزيرة العربية للسلاح الذي يحققون به الفوز والمكاسب والدفاع عن النفس والعرض والأرض وذلك أغلى ما يملك الإنسان. ولقد بلغ بهم حب السلاح مقاربة حد القسم لا به، وإنما بالله الذي يجري السهام إلى أهدافها، ولئن جاء اعتزازهم بالسلاح على هذه الصيغة فإنهم لا يعنون ذلك بعينه، وإنما يتهددون الأعداء بهذا الاعتزاز والامتلاك للسلاح بأنه ما دام في حوزتنا فإنا لن نضام، وقد وضعوا السلاح مكان المستشار الأمين الذي يثقون به، على أنهم لا يحتقرون أعداءهم ممن يمتلكون الندية، ولكنهم لا يهابون الموت ما داموا استعدوا له بالسلاح وبذلوا الجهد في سبيل إمضاء السلاح فيما ينشدون. يقول الشاعر: وحياة خوط النافعي والقابسية لا سوم روحي وان تباين لي لزوم واسخي بكاس الموت قبل السامعية أخير من حي تسقى بالغبون ما دام يملك النافعية والقابسية وهي من أنواع البنادق فسوف لا يتأخر عن الواجب إذا برزت حاجة للدفاع أو الهجوم، مفضلاً الموت على الحياة الذليلة التي تعود بعض الناس على تقبلها. وقول آخر يتمنى حضور الحبيبة المعركة التي خاضوها دفاعاً عن الوطن بالسلاح القديم الأصيل فيقول: يا عذب ليتك عندنا يوم نتثنَّى من دون ديرتنا بقدمي الحديد ما نبكي المنعور لا ما طاح منا ونقول هذا دون ديرتنا شهيد أو التي تجيبه قائلة: ياليت ما وصفي وصوف اللي تحنَّى وصفي من اللي ينقلون المثمنات أثوع انا من دون داري واتثنّى واضرّب العايل دروب الاولات والمثمنات هي المقتنيات الثمينة وهي البنادق، وهذه الفتاة تتمنى أن تكون رجلاً محارباً يدافع عن الوطن ويهزم الأعداء. وقول آخر عن بنادق المرتين والدوجي: يا الشيخ مال الجد في الواجب يصدر ما هو كما اللي دولته عيّت عليه من دونه المرتين والدوجى يدبر الشيخ عيّا والجبر رضيت عليه والمرتين بنادق جديدة يمتدحها الشاعر الذي يهجو العثمانيين وانهزامهم رغم امتلاكهم المرتين بقوله: عسى وليّك ينثنى به شابي الحد والا مرتين ثوابي وفي بنادق النيمس يقول الشاعر: أزفر زفير منيمس تحتم ريض والعدم من ضربه مشى غيل وهو يعبر عن قوة آهاته وزفراته التي تشبه صوت النيمس في القوة. ويبدو أن النيمس والمرتين والميزر من أفضل البنادق لدى غامد وزهران ولذا ترددت في أشعارهم كثيراً تعبيراً عن الجودة، وتشبيهاً بالحرقة يقول شاعرهم: أحرما لمرتين والا ذايق السم ليت شيبي ما نبت لي ومع إطلالة العهد السعودي كانت الأسلحة قد طورت وظهر الرشاش وبعض البنادق المطورة، يقول الشاعر في قتال جدة: يا زفرتي زفرة مدافيع ورشاش في صباح قتال جدة وقوله: أزفير زفير ميازر ولها نواديس في قتال سد فيحان على أن الزفير تعبير عن الشحن النفسي الذي يتولد لدى الشجعان أو المهمومين ليصل في قوة انطلاقه إلى زفير البنادق، وأما السيوف والجنابي فيقول الشاعر: أزفر وكن الروح بسيوف تَلَهءما والا مصقول الجنابي ويميز الناس بين أنواع السلاح حسب مصادرها أو تقنياتها، وما زال المهند السيف المصنوع في الهند يحتفظ بمكانته منذ القدم حتى اليوم ومثله السيف الدمشقي يقول الشاعر: أهل السيوف الدمشق الشنتياني واهل القنا ومصقل الهندواني وفرود وجنابي واهل خيزران في زوك مزيكا ونوبة وبرزان والفرود وهي المسدسات من أسلحة الدفاع عن النفس، أما الخيزران فهي العصي التي ترمز للرفاهية وعادة ما تكون مع علية القوم الذين يضعون الاستراتيجيات في الحروب وينفذها المحاربون. وللبندقية أهمية عند كل أبناء الجزيرة العربية حين كانت الحاجة إليها ملحة ثم أصبحت اليوم مما يفتخر به من التحف التي تعلق في صدارة المجالس أو المتاحف المنزلية، وقد كان أبناء السروات حين يفدون إلى المدن بحثاً عن العمل يوفرون من دخلهم اليومي مبلغاً يخصص لشراء البنادق، فهي من أولويات اهتمام الشباب، يقول شاعر زهران من وصاياه العشر: والرابعة بندقة يشفيك نقلها عليك تنقد وعلى البيطار شغلها اشترها اشترها واحذر تدلّها لا تأمن الهجرة لا تحدث بواديها فهو ينصح بشراء البنادق الجيدة الصنع ويوصي بصيانتها وعدم هجرها فتصدأ بل يتعهدها بالتفقد والصيانة. وفي مواجهة مع الأتراك يقول الشاعر الأحمدي: من شاف حالي قال هذا مستخير يوم اللزم بيني وبين الترك شاه لعلني ما اعدمك ياجل الذخير يا اللي تفرج هم من كثروا اعداه استماتة في الحرب للدفاع عن الحقوق، وثناء على البارود الذي فرّج هم المحارب، والبارود إما ناعم كالغبار أو جليل كحب السمسم والخردل ولكل منهما دور في الإشعال والثوران، وكلاهما من صنع الرماة. فمن ثقافة السلاح الصيانة للبنادق والسيوف ونحوهما وإعداد البارود من مادة مشتراة يسمونها "ملح البارود" ثم يضيفون إليها مواد أخرى كالبكريت وفحم بعض الشجر كالعرعر الذي يعمر في أعالي الجبال فيسمون هذا الخليط ملح الشفا وهو الأجود، ويليه ما يخلط بفحم الحرمل ونحوه مما ينبت في الأودية، ولهذه الصناعة وسائل في نسب المكونات وخلطها وتسقيتها وتجفيفها وتخزينها وتجهيزها للاستعمال السريع في "المذاخر" التي يتقلدها الرماة، وقد علقت بها مستودعات الطلقات وهي أوعية اسطوانية من النحاس تتسع كل واحدة منها لطلقة واحدة، حيث تحشى الأوعية بالبارود وتختم بالرصاص، وهذا في بنادق المقمع وأم فتيل ونحوهما، أما البنادق الحديثة وهي ما يسود اليوم فتلك لا يضاف إليها غير وسائل الزينة من مناطق وأكفال جلدية مزانة بالنقوش وأسنان الصيد ونحوها. ويبدع أصحاب البنادق القديمة في زينتها وصناعة ما انكسر من أخشابها أو ما أعوج منها نتيجة للحرارة التي تؤثر في استقامتها. أما فنون صنع الرصاص وأدواته والحجارة التي يغلف بها الرصاص من مرو ونحوه فتلك فنون يتبارى فيها الشباب كما يتبارون في التصويب وسرعة استخدام البنادق في الحرب وفي الاحتفالات الاجتماعية التي لا يستخدم فيها الرصاص وإنما البارود فقط. وفي التفاخر بأنواع البنادق يقول الشاعر معتزاً ببنادق المرتين والتبكلي: قولوا لصناع الفرنجي يتركونه مرتين ناطر والتبكلي له وليف والصب الأخضر في خزونه يولجونه صنع البروسي يقطع الوادي المخيف ويعترض آخر معتزاً ومفضلاً بنادق الروم والمجرى والقابسي فيقول: من قال صناع الفرنجي يتركونه الروم منقوش الخزاين له حليف خوط المجر والقابسي ما هي بدونه تحرق به العيّبل يا القلب الخفيف وبعد: فهذه لمحة عن زمن الخوف واضطراب الأمن وفقدان الدولة التي ترعى مواطنيها، وتدفع عنهم هذه الأخطار، وتوجههم نحو تنمية مقومات حياتهم العامة. فلنحمد الله على ما نحن فيه من أمن وحياة كريمة.