يقول ستيف جوبز «افعل الأشياء التي تحبها.. ابحث دائماً عن رغبتك الحقيقية..اصنع الاختلاف والتميز.. الطريقة الوحيدة لعمل أشياء عظيمة هي أن تحب ما تفعله». نعم، هي فعلت كل ذلك، وآمنت بأن بمقدورها أن تحقق النجاح، وبأن الوصول للإبداع لا يعني بلوغ الأهداف فقط، بل تحقيقها بشكل متميز. الدكتورة أسماء القصَّير، أستاذ مساعد واستشاري علم النفس الإكلينيكي في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية، تتمتع بقناعة مفادها أن التميز يكون في التركيز على الرحلة، وليس على الوجهة فقط، أي باكتساب أكبر قدر من المعرفة والتجربة والخبرة أثناء رحلة التعلم في الحياة أو مشوار تحقيق الأحلام، رسمت طريق رحلتها منذ نعومة أظفارها فكانت واضحة في اختياراتها العلمية عندما حددت اختيار تخصصها بعلم النفس، وساهم في ذلك نشأتها وسط أسرة تحث على تعلم الجديد وتنمية القدرات والمهارات وثقافة التعامل مع الآخر، كما ساعدها الانفتاح والتعرف على الثقافات الأخرى على تعزيز المعلومات والمعرفة لديها، ومن ذلك مضمون تجربتها في العيش مع أسرتها ما بين كندا والسعودية وكما تصفها بالتجربة الفريدة. * كونك معالجة نفسية، هل تشعرين بضغط في محيطك الأسري والاجتماعي، حيث ينتظر المحيطون بك شخصية متزنة وغير انفعالية ولا تواجهين ضغوط أو تحتاجين مساعدة من أحد؟ * أعتقد بأني لست الوحيدة التي تواجه هذا الضغط، بل كثير ممن هم متخصصون بالطب النفسي قد يواجهون من فترة لأخرى هذا الرأي أو الاعتقاد ممن يحيطون بهم، متناسين أن المعالج النفسي قد يواجه المشكلات النفسية إما نتيجة عمله مع بعض مرضاه، وإما من مشكلاته الشخصية التي يعانيها في حياته مثله مثل باقي الناس فهم بالأساس أناس لديهم عائلات وأنماط حياة ومشكلات شخصية، إلا أن مواجهة الجانب المظلم في أنفسهم لا يساعدهم فقط في تخطي هذه المشكلات الشخصية والمهنية، بل هو أيضاً ضروري للتمكن من التعامل مع المرضى، خصوصاً أن بعض مشكلات المرضى قد تترك انعكاساً كبيراً على المعالج الذي عليه إدراك وتفكيك اللاوعي وتحقيق توازن نفسي، ليستطيع تحمل عبء المشاعر السلبية التي يعيشها في العيادة. * هناك صورة نمطية لما يحدث داخل غرفة المعالج النفسي وأعتقد بسبب كثرة ما يصدره الإعلام المرئي من أن العلاج لا يعدو كونه دردشة بين المريض والمعالج ولا يشمل أي أساليب غير الحديث بساعات محددة ومدفوعة، نود منكِ إيضاح الصورة الكاملة لما يدور في غرفة العلاج بين المريض والمعالج النفسي وأيضا إيضاح حدود المعالج النفسي في مراحل العلاج؟ * للأسف يكوّن غالبية الأشخاص انطباعاتهم عن العلاج النفسي من خلال وسائل الإعلام، عندما يشاهدون مشهد محادثة بين المعالج النفسي والعميل فهم يرَون فقط ذلك الجزءَ من عملية العلاج، مما يؤسس لاعتقاد أن ما يحدثُ لا يعدو كونه مجرد دردشة مدفوعة لا تُجدي. إلا أن الواقع مخالف لذلك، فالمحادثة بين المعالج والعميل هي وسيلة التواصل التي يعبر بها العميل عن مشاعره وأفكاره، ومن خلالها يستطيع المعالج مساعدته، حيث يندرج تحت عملية العلاج النفسي الكثير من الأساليب والتقنيات التي تساعد العميل على تخطي الأزمات النفسية مثل: تعلم إدارة المشاعر بطريقة أفضل، تحدي المعتقدات السلبية التي تؤثر على حياته، تعلم وجهات نظر جديدة لرؤية المواقف والأشخاص، تعلم كيفية تحسين العلاقات الإنسانية وتجنب العلاقات الضارة، تحديد السلوكيات السلبية والإيجابية وكيفية اتخاذ القرارات الملائمة لحال الشخصية، محاولة فهم النفس وكيف يؤثر الماضي على الحاضر، الحد من أعراض المرض النفسي، تعلم التقنيات العلاجية المختلفة وغيرها الكثير تحت إطار من سرية المعلومات والخصوصية التامة. * هل سبق وباشرت حالة لشخص ارتكب فعلاً فادحاً يجرمه أمام مؤسسات الدولة الأمنية أو على الأقل يشعره بالعار من الآخر؟ ماذا تفعلين في هذه الحالة؟ هل تبلغين الجهات المختصة؟ وهل هناك اتفاقيات بينكم؟ o هناك سرية وخصوصية في العمل بين المعالج والمراجع والحقوق والحدود كما وضحت سابقا، طبعًا إذا أتينا للحديث عن قوانين الممارسة فهناك اختلافات حسب الدولة وأحياناً حسب البلد نفسه. غالبًا قد لا يُطلب من المعالج النفسي التبليغ عن أفعال سابقة حدثت في حياة المراجعين، المعالج دوره أن يعمل مع المراجع بالهدف الذي أتى به وذلك قد يتضمن افكار، مشاعر، ذكريات، أو خبرات متراكمة، وبذلك يتمكن الشخص من العمل على ذاته مما قد يساعد في الحد من نسب ارتكاب أفعال إجرامية مستقبلاً وبما يضمن العمل على مشاعر الذنب أو العار التي قد ترتبط بهذه الأفعال. * من خلال نتائج المسح الوطني للصحة النفسية والذي استغرق تطبيقه ثلاث سنوات، تبين أن % 34 من السعوديين والسعوديات تعرضوا للإصابة بأحد الاضطرابات النفسية، وأن % 40 من فئة الشباب السعودي تعرضوا للإصابة باضطرابات نفسية في مرحلة ما من حياتهم، هذه النتائج ألا تحتاج برأيك لحملة داعمة للحد من انتشار الأمراض النفسية في المجتمع السعودي والذي مازال الكثيرون منهم يتردد في الاعتراف (بالمرض النفسي) ويعتبره وصمة عار ويعاني في صمت؟ * النفس مثل الجسد تتعب وتمرض وتضعف، وندباتها لا تظهر على الجلد، إنّما لها طرقها المخفيّة بالظهور غالبًا، فتؤثر على صحّة الفرد النفسيّة، على حياته اليوميّة، على علاقاته وتعامله مع نفسه والآخرين. وبالضرورة، كل هذا يؤثر على المجتمع، المجتمع الذي للأسف، ما زال البعض من أفراده، يصف شخصًا على أنّه "مريضًا نفسيًّا"، باعتبار أنّ هذا الوصف هو تقليل من اتزانه، أن تجاهل آلام النفس، حتّى الصغيرة منها، مخيفٌ أكثر مما يفكر به المجتمع، نعم، نجد هنالك من لا يزال يرى بالذهاب لأخصائي نفسي أمرًا غير مجدي، هذا من حقهم تمامًا، لكن من حق الإنسان أيضًا أن يكون لديه هذا الخيار، بلا أحكام مسبقة على كل من يختار أن يتوجه لمساعدة نفسيّة، سواء لمرة واحدة أو على مدار جلسات طويلة، وبالمقابل نجد هنالك من البعض الآخر ترحاب وتقبل في تعاملهم مع زيارة الفرد للأخصائي النفسيّ، وهذا نلاحظه يتغيّر مع مرور الزّمن، وعلى الرّغم من أن الموضوع مازال يقع تحت خانة المعيب مجتمعياً، إلّا أن هنالك "قبولًا أكثر"، بشكل ما للمسألة مقارنة بسنوات سابقة، حتى أن القبول أصبح يظهر بالحوار بين الأشخاص وفي مشاركتهم للمعلومات، كما أصبح هناك شفافية في تحدث الشخص بتجربته في رحلة العلاج وعلى نطاق واسع.