أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الثلاثاء في الكرملين اليمين الدستورية لولاية رئاسية خامسة من ست سنوات مع سلطة مطلقة بعد قمع المعارضة وتشتتها، مؤكدا أن روسيا ستخرج "أقوى" من "مرحلة صعبة". وقال بوتين "أقسم (..) بحماية حقوق الإنسان والمواطن وحرياته واحترام الدستور وحمايته والسيادة والاستقلال" مؤكدا أن قيادة روسيا "واجب مقدس". وأضاف بوتين في قاعة اندرييفيسكي في الكرملين "نحن شعب متحد وعظيم، ومعا سنتجاوز كل العراقيل (...) معا سننتصر" مشيرا إلى أن روسيا ستخرج "أقوى" من هذه "المرحلة الصعبة". بعد شهرين تقريبا على إعادة انتخابه في غياب مرشحين معارضين، يتولى الرئيس الروسي البالغ 71 عاما والذي يحكم البلاد منذ قرابة ربع قرن، السلطة حتى العام 2030 على الأقل. في العام 2020، عدل الدستور ليتمكن من البقاء في السلطة لولايتين إضافيتين من ست سنوات، أي حتى العام 2036 عندما يكون قد بلغ السادسة والثمانين. ويأتي خطاب بوتين قبل يومين من ذكرى انتصار السوفيات على ألمانيا النازية في التاسع من مايو. وتشكل الاحتفالات بهذه الذكرى إحدى ركائز سياسة السلطة والنفوذ المنتهجة من قبل فلاديمير بوتين الذي يؤكد أنه يشن حربا على "نازيين جدد" في أوكرانيا. وبين غزو أوكرانيا وقمع المعارضة والمواجهة مع الغرب، يستهل فلاديمير بوتين ولايته الخامسة كقائد حربي يمسك بكلتا يديه بمقاليد الحكم التي تولاها قبل ربع قرن. في مارس، حصد الرئيس الروسي أكثر من 87 % من الأصوات التي تم الإدلاء بها في انتخابات جرت في غياب أي معارضة، وأدانها الغرب باعتبارها ممارسة زائفة للديمقراطية. شهد عهد بوتين (71 عاما) في العام 2020، تعديلاً دستورياً يتيح له البقاء في سدّة الحكم حتى 2036. وهو شغل منصب الرئيس لولايتين امتدت كل منهما أربعة أعوام، واثنتين كل منهما لستة أعوام، فصلت بينهما فترة كان خلالها رئيسا للوزراء. تميز حكم بوتين الآتي من صفوف جهاز الاستخبارات السوفياتية (كاي جي بي) منذ وصوله إلى الكرملين في 31 ديسمبر 1999 بسمتين رئيسيتين. أولاهما تمثلت بالتشدد المستمر مع السيطرة على طبقة الأثرياء الأوليغارش وحرب الشيشان الثانية وخنق الحريات العامة وتقييد الإعلام والمعارضة. وتوفي منافسه الأبرز أليكسي نافالني منتصف فبراير في ظروف غامضة في سجن بالقطب الشمالي الروسي حيث كان يمضي عقوبة طويلة بتهمة "التطرف". والثانية هي السعي إلى اكتساب سلطة جيوسياسية، من خلال الحرب في جورجيا (2008)، وضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية (2014) والتدخل العسكري في سوريا (2015) وأخيرًا غزو أوكرانيا (2022). ظن القادة الأوروبيون، ولا سيما المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، خطأً أنهم قادرون على احتواء هذه الطموحات مراهنين على الاعتماد الاقتصادي المتبادل من خلال المشتريات الضخمة من الغاز الروسي. ويبدو بوتين راسخا في منصبه أكثر من أي وقت مضى. وما زال مقتنعاً بالحرب التي تورط فيها في أوكرانيا حيث تعرّض جيشه لهزائم . فهو ما زال يصر على تحقيق النصر من خلال الاستنزاف، مراهنا على ميل الكفة لصالحه في الأشهر الأخيرة وعلى شعور حلفاء كييف بالتعب وسكان أوكرانيا بالإرهاق. وبعد عامين على بدء الحرب، سيطرت قوات موسكو في الفترة الأخيرة على بلدة أفدييفكا، وواصلت التقدم في مواجهة قوات كييف التي تعاني نقصا في العتاد والعديد. وفي أواخر فبراير، شدد بوتين على أن "القوات المسلحة لن تتراجع ولن تفشل"، معتبرا أنها مسألة "حياة أو موت" بالنسبة إلى موسكو. وبعد انتخابه في منتصف مارس، قال إن روسيا "موحدة" أكثر من أي وقت مضى. منذ بدء الهجوم الروسي في فبراير 2022، ألقى بوتين سلسلة من الخطب التي اتهم فيها أوكرانيا ب"النازية"، وأعلن ضمّ أجزاء من أراضيها، وصوّر النزاع على أنه حرب بالوكالة دبرها الأميركيون. لكن لا شيء يثني بوتين عن أهدافه: لا العقوبات الغربية ولا ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له بتهمة ترحيل أطفال أوكرانيين، ولا خسائر الجيش. فقد وضع نصب عينه مهمة واحدة هي التخلص من هيمنة الغرب. وفي /أكتوبر 2023، أعلن أن "مهمته هي بناء عالم جديد". لا بد من القول إن العميل السابق لجهاز الاستخبارات السوفياتي الذي كان متمركزا في ألمانياالشرقية في الثمانينات، ما زال متأثرًا بتفكك الاتحاد السوفياتي كدلالة على هزيمة موسكو في الحرب الباردة. ومن أجل تحقيق أهدافه، يفتخر بوتين اليوم بالدعم الدبلوماسي الذي يحصل عليه من الصين. ويشير إلى أن آسيا، وفي مقدمها الهند، تتهافت على النفط الروسي، وأن إفريقيا تعتبره حليفا ضد "الاستعمار الجديد" الغربي. وبعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني في صيف 2023، شعر بوتين بأنه يتمتع بهامش مناورة أكبر، مع انقسام الغرب بشأن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وعاد إلى الساحة الدولية فيما امتص الاقتصاد الروسي عموما صدمات العقوبات الغربية رغم التضخم والاعتماد على الانتاج العسكري. لكن رغم قوته، لا يزال الرئيس الروسي يواجه تحديات. فهو بعيد كل البعد عن الانتصار في أوكرانيا. وقدرة الروس والنخبة والاقتصاد على الصمود في هذا النزاع على المدى الطويل تظل سؤالًا مطروحًا. وكان تمرد مرتزقة فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين، أحد الموالين لبوتين، في يونيو، مثالاً على ذلك. ومقتل قادة فاغنر في تحطم طائرة قيل إنه ناجم عن حادث، سمح للكرملين بطيّ هذه الصفحة، لكن أمورا أخرى غير متوقعة تبقى في الانتظار. على الصعيد السياسي الداخلي، لا يتساهل الكرملين مع أي معارضة. فالمعارضون إما توفوا مثل نافالني وبوريس نمتسوف الذي اغتيل في 2015، فيما يقبع ناشطون ومواطنون عاديون في السجن بسبب انتقاد حرب أوكرانيا. مع ذلك، يظل بوتين، في نظر الغالبية من مواطنيه، الشخص الذي أعاد لروسيا عزتها بعدما قوّضها الفقر والفساد وإدمان بوريس يلتسين الكحول. وهو عندما دخل الكرملين وكان عمره 47 عامًا، وعد ببناء أواصر الصداقة مع الغرب وقام بتطوير الاقتصاد مستفيدًا من الاسعار المؤاتية للنفط والغاز. وصفه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش بأنه "شخص مميز"، وكان المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر ورئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلوسكوني صديقين له. وذلك رغم القمع ومن التجاوزات التي ارتُكبت في الشيشان. لكن بذور القطيعة مع الغرب سرعان ما نبتت وعبر عنها بوتين عام 2007 خلال مؤتمر الأمن في ميونيخ في خطاب حاد اللهجة ألقاه على مسامع كبار الشخصيات الغربية. عندها اتهم بوتين حلف شمال الأطلسي بتهديد روسيا من خلال التوسع وانتقد الولاياتالمتحدة لأنها تنسب لنفسها "سيادة مطلقة" في العالم. وهي المبررات نفسها التي استخدمها لغزو أوكرانيا بعد 15 عاماً من ذاك التاريخ. أما حياته الخاصة فمحاطة بالأسرار. فقد نشأت ابنتاه بعيدا عن الأضواء مع أن إحداهما ظهرت في السنوات الأخيرة في بعض المناسبات العامة. من جهة أخرى أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الثلاثاء أن المعلومات التي تلقتها حول استخدام روسيا سلاحا كيميائيا في أوكرانيا "غير مدعومة بأدلة كافية". وقالت المنظمة أيضا في بيان إنها لم تتلق بعد أي طلب رسمي للتحقيق في هذه الاتهامات، بعدما اتهمت الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي روسيا باستخدام "سلاح كيميائي" هو الكلوروبكرين ضد القوات الأوكرانية. وأوضحت الناطقة باسم المنظمة إليزابيث ويتشر في بيان "روسيا الاتحادية وأوكرانيا تبادلتا الاتهامات وأبلغتا المنظمة باتهامات باستخدام أسلحة كيميائية". وأضافت "إلا ان المعلومات التي قدمت حتى الآن إلى المنظمة من جانب الطرفين وتلك التي بحوزة الأمانة العامة غير مدعومة بأدلة كافية". لكنها أشارت إلى أن "الوضع يبقى متقلبا ومثيرا جدا للقلق حول احتمال معاودة استخدام مواد كيميائية سامة كأسلحة". وكانت وزارة الخارجية الأميركية اتهمت الأسبوع الماضي موسكو بأنها استخدمت "سلاحا كيميائيا" هو الكلوروبكرين ضد القوات الأوكرانية في انتهاك لاتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية التي دخلت حيز التنفيذ في العام 1997 ووقعتها روسيا وصادقت عليها. واستخدمت مادة الكلوروبكرين بشكل واسع خلال الحرب العالمية الأولى كغاز خانق. وتصفها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بأنها "مادة مدمّرة للرئة" يمكن أن تسبب تحسسا شديدا للجلد والعينين والجهاز التنفسي، فيما تحظر استخدامها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ورفض الكرملين الاتهامات الأميركية بهذا الشأن معتبرا أن لا "أساس لها" ومؤكدا أن "روسيا كانت وستبقى وفية لالتزاماتها بموجب القانون الدولي".