وزير الخارجية يجري اتصالاً هاتفياً بوزير الخارجية الإيراني المكلف    «الغذاء والدواء»: خطة شاملة لضمان سلامة غذاء الحجاج وأدويتهم في موسم الحج    معرض الرياض للسفر ينطلق في العاصمة .. 27 مايو الحالي    د. العيسى يتسلَّم مفتاح محافظة الإسكندرية أعلى وسام في المدينة    خلاف بين الهلال وجيسوس بخصوص أحد بنود العقد الجديد    وزير الخارجية يعزي نظيره الإيراني المكلف    وزارة الإعلام تنظّم النسخة السابعة من "واحة الإعلام"    منتدى كايسيد للحوار العالمي: تجديد جهود الحوار وإنشاء منصات مستدامة وشاملة وآمنة وحيوية ضرورة عالمية    «سلمان للإغاثة» يوزع 7073 سلة غذائية و 443 حقيبة إيوائية و ينتزع 2.010 لغام    فتح تحقيق موسع في أسباب تحطم طائرة رئيس إيران    مراسم تشييع الرئيس الإيراني ورفاقه تنطلق غداً من تبريز    الجنائية الدولية تطلب مذكرة اعتقال بحق نتنياهو    الاجتماع الثاني للجنة الأمنية والعسكرية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي القطري    تعليم جدة: استقبال اعتراضات النقل الداخلي إلكترونيا    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة إلى 35562    "البيئة": العالم يمر بتحديات كبرى تؤثر على أمن واستدامة المياه    الجاسر: نعمل على توسعة مطارات الباحة وجازان والجوف    قدوم 267657 حاجا عبر المنافذ الدولية حتى نهاية أمس    أمير منطقة تبوك ونائبه يواسيان مدير مركز الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني بالمنطقة في وفاة والدته    نائب أمير جازان يكرم 1238 متفوقاً ومتفوقة بتعليم جازان    غرفة الشرقية تعقد "لقاء رياديون" لطلبة جامعة الامام عبدالرحمن بن فيصل    من هو الرئيس المؤقت لإيران؟    أمير الرياض يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية المتقاعدين بالمنطقة    الوحدة يضع أنظاره على أحمد حجازي    أرامكو توقع اتفاقية مع "باسكال" لاستخدام أول حاسوب كمي بالسعودية    "الزكاة والضريبة والجمارك" تدعو المنشآت إلى تقديم إقرارات ضريبة القيمة المضافة عن شهر أبريل الماضي    بلديةالبكيرية تنفذ 2754 جولة رقابية في شهر أبريل الماضي    تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    بعد مصرع عبد اللهيان.. «كني» يتقلد حقيبة الخارجية الإيرانية    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    جائزة الصالح نور على نور    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    كراسي تتناول القهوة    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    الانتخابات بين النزاهة والفساد    ثقافة سعودية    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خيوط المعازيب: اللهجة ومنظومة التقاليد
نشر في الرياض يوم 06 - 04 - 2024

هناك فروق واضحة بين قرية وأخرى، كما أن لهجة مدينة المبرز تختلف إلى حد ما عن الهفوف وباقي القرى. بشكل عام يمكن التعويل على أن منظومة التقاليد التي تحكم مجتمعات الأحساء تشترك في نواة واحدة لكن أطراف هذه النواة تختلف من مكان لآخر وهذا الاختلاف هو الذي يحدد الشخصية المحلية لكل قرية ومدينة في الأحساء.
تردد الحديث حول اللهجة التي قدمها المسلسل الرمضاني خيوط المعازيب وأنها تمثل لهجة أهل الأحساء، ودون شك أنها أحد اللهجات الغالبة في هذه المنطقة من المملكة، على أن الأحساء، مثل كثير من مناطق المملكة تتميز بطيف واسع من اللهجات ولا يمكن أن نقول أن هناك لهجة وحيدة مهيمنة خصوصا في منطقة تتميز بطيف اجتماعي وطائفي واقتصادي متنوع. ثمة اتفاق على أن هناك خيطا رابطا يجمع كل اللهجات في الأحساء وحول هذا الخيط تشكلت لهجات متعددة بعضها يمثل اللهجة الثقيلة والبعض الآخر يبتعد ليشكل لهجات شبه مهجنة نتيجة لوجود تنوع اجتماعي قائم على هجرات قديمة وحديثة من مناطق أخرى. سوف أتحدث عن حي النعاثل في مدينة الهفوف، وهو الحي الذي ولدت فيه وكان مرتع الطفولة والشباب، وهو حي يمثل هذا التنوع الملفت في اللهجات الأحسائية. إذا ما رجعنا إلى "خيوط المعازيب، سوف نجد أن لهجة المسلسل تمثل القلب الحرفي في الهفوف أي حول سوق القيصرية ويشمل حي الرفعة الشمالية (خلف السوق) والجزء الشرفي من حي الكوت وبعض الأجزاء من شرق حي النعاثل والجزء الشمالي من حي الرفعة الجنوبية (الفوارس). وهذا القلب الحرفي تميز منذ نشأت المدينة في القرن السابع الهجري بتقاليده التي ترسخت عبر الزمن، خصوصا وأنه كان الجزء العمراني الذي نشأت حوله الهفوف (البداية كانت من الرفعة الشمالية التي كانت عبارة عن قرية مستقلة تسمى "الرقيات" كونها مبنية على منطقة مرتفعة).
دعونا نتفق أن هذا القلب يمثل اللهجة القديمة التي تطورت واكتسبت مفردات جديدة باستمرار، خصوصا أنها منطقة تمثل المركز التجاري والأحساء معروفة بنشاطها التجاري التاريخي سواء من خلال ارتباطها بالضفة الأخرى للخليج والهند أو قلب الجزيرة العربية، كما أن هذا المركز مرتبط بقرى الأحساء التي تتنوع لهجاتها حسب موقعها ومكونها الطائفي فالقرى الشرقية أغلبها من طائفة الشيعة الذين يعملون في الفلاحة ويتحدثون اللهجة الثقيلة بينما القرى الشمالية ومن ضمنها مدينة العيون فهي مناطق هجرات ولهجاتها مهجنة تتداخل فيها لهجات البادية والمناطق التي قدم منها المهاجرون بينما القرى الجنوبية الشرقية فسكانها يغلب عليهم الطائفة السنية ولهجتهم أحسائية متوسطة وخفيفة. هذه الخارطة العامة للهجات، لا يمكن القول إنها دقيقة ما لم يتم دراستها بعمق، فهناك فروق واضحة بين قرية وأخرى، كما أن لهجة مدينة المبرز تختلف إلى حد ما عن الهفوف وباقي القرى. بشكل عام يمكن التعويل على أن منظومة التقاليد التي تحكم مجتمعات الأحساء تشترك في نواة واحدة لكن أطراف هذه النواة تختلف من مكان لآخر وهذا الاختلاف هو الذي يحدد الشخصية المحلية لكل قرية ومدينة في الأحساء.
ولو عدنا إلى حي النعاثل سوف نجد أن اللهجات تتنوع داخل هذا الحي (وقد ينطبق هذا على باقي الأحياء في الهفوف والمبرز) فالجزء الجنوبي الشرقي من الحي مرتبط بالمركز التجاري وترتبط بالممر الذي كان يدعي "المفيرق" الذي يفصل النعاثل عن الرفعة الجنوبية ويرتبط ببوابة القرن جنوب المدينة. هذا الممر مرتبط بساحة القيصرية (الخميس) الذي وصفها أمين الريحاني في مطلع القرن العشرين بأنها "ريفيرا الأحساء". لذلك نجد لهجة هذا الجزء من الحي ثقيلة ويسكنه طوائف اجتماعية متعددة. بينما شمال ووسط الحي وجنوبه إلى حدوده الغربية يتحدثون اللهجة الخفيفة والخفيفة جدا كونها مناطق سكنتها أسر أحسائية وأخرى نجدية قدمت إلى الأحساء في القرن التاسع عشر. يمكن أن أذكر أن الجيل الثاني والثالث من أبناء الأسر النجدية صار يتحدث اللهجة الأحسائية الخفيفة ولم يصل إلى درجة اللهجة الثقيلة كما أن كثيرا من أبناء الأسر الأحسائية استمر في لهجته المتوسطة بين الخفيفة والثقيلة لكن الجميع ارتبط بالنواة المكونة للهجة الأحسائية بمفرداتها وأسلوب نطقها (بدرجات الثقل المتفاوتة). هذا يجعلني أعود دائما إلى الجوهر المولّد للتقاليد اللغوية التي تصنع أي لهجة والسلالات اللغوية تولّدت منها.
إذا ما اتفقنا على أن لكل لهجة نسق مرتبط بجوهر مولّد يحدد إطار نطق المفردات يسمح بالتنوع وخلق سلالات لهذه اللهجة تختلف باختلاف التركيبة الاجتماعية فإننا سوف نصل إلى أن اللهجة الأحسائية مكوّنة من سلالات من اللهجات جوهرها قديم وعميق لكنها كونت لهجات مهجنة حديثة ميزت هذه المنطقة وأعطتها شخصيتها الخاصة. سوف أربط ملاحظاتي على لهجة الأحساء بدراسة عمرانية قمت بها منذ ثلاثة عقود حول أحياء الهفوف وتأثير البعد الزمني على عمارة تلك الأحياء. كان الهدف من الدراسة هو البحث عن أصول الأشكال العمرانية والتراكم الذي حملته تلك الأشكال نتيجة تطور الخبرات وتغير الظروف الاجتماعية. وجدت أن حي الرفعة الشمالية (أصل المدينة) هو أكثر الأحياء الذي يوجد فيه "سابطات" (الغرف الطائرة فوق الطراقات) وسكك هذا الحي ضيقة جدا نتيجة لزيادة الكثافة السكانية وعملية تعدي المنازل على الطرق) بينما نجد حي الكوت (الحي الإداري ومقر الحكم) يختلف من شرقه إلى غربه فالقديم منه (الشرق) أكثر اكتظاظا وهذا ينطبق على حي النعاثل الأكثر حداثة حيث يحتوي على طرق واسعة و"ساباطات" أكثر تطورا وبعقود نصف دائرية وهي نادرة في الرفعة الشمالية والكوت.
هناك تقارب شديد بين اللهجة والعمران يمكن ملاحظته، فهناك كثير من الدراسات تربط بين العمارة واللغة وترى أن منظومة التقاليد التي تولّد اللهجة هي نفسها التي تخلق العمارة ومفرداتها. هذا يجعلني أدعو إلى التفكير مليا في إجراء دراسات واسعة حول المعجم الأثنوغرافي لمنطقة الأحساء والمناطق الأخرى في المملكة، ليس فقط كمفردات (لأنه حسب علمي قام الدكتور سعيد الوايل بإعداد معجم للمفردات) لكن الدراسة الاثنوغرافية تتضمن البحث عن جذور المفردات والأشكال (المنتج المادي وغير المادي) وفهم المنهج الذي ولد اللهجة وكذلك العمارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.