صحيح أن الصراع الروسي - الأوكراني بدأ فعليّا عام 2014، وتبعته في سنوات لاحقة مناوشات وحشود عسكريّة روسيّة، ولكن يوم الخميس 24 فبراير 2022 هو تاريخ البداية الحقيقيّة لما تسمّيه الحكومة الروسيّة "العمليّة العسكريّة الخاصّة" التي دخلت بموجبها الأراضي الأوكرانيّة. وعلى مشارف العام الثالث من الكرّ والفرّ يمكن القول إنه لا يمكن فصل كثير من الأحداث في مناطق الاقتتال بين الطرفين عن مستلزمات ذلك الصراع وآخرها الهجوم الإرهابي (مساء الجمعة 22 مارس 2024) على قاعة (كروكس سيتي) بالقرب من موسكو، هذا الحادث يصف نفسه بنفسه بصفة أداة من أدوات الصراع حتى مع نفي أوكرانيا وجود أي صلة لها بالهجوم، أو إعلان تنظيم "داعش" - مطيّة القِوَى الكبرى - مسؤوليته عن الهجوم. وهذا الحادث سيكون له تبعات ليس أولها فقط تغيّر المصطلحات الروسيّة للمرة الأولى، بعد مرور أكثر من عامين على بدء الصراع، إذ قال المتحدث باسم الكرملين إن روسيا في "حالة حرب" في أوكرانيا، والعجيب بخصوص هذا الحادث تحديدًا أن الولاياتالمتحدة حذّرت قبل أيام قليلة من احتمال وقوع هجوم في موسكو، ومما يمكن تذكره قبل الحادثة الإرهابيّة بأسابيع أيضا أن أوكرانيا كانت تجأر بالشكوى من إنهاك الحرب لصبر الشعب، ونقص الجنود، والذخيرة، بعد أن عاد الروس لاكتساب المزيد من المزايا في مناطق عدة منها مدينة "أفدييفكا" وقبلها "باخموت" وكذلك ضبط الأمن البحري حول شبه جزيرة القرم. وحيث لم تظهر كل حقائق الحادثة إلا أن قراءة مشهد الصراع وطبيعة الحوادث ذات الطبيعة الإرهابيّة السابقة، ومعها مظاهر التجاذب السياسي متمثلًا في تشدّد فرنسا وتسريبات الضباط الألمان يشي ببدء فصل جديد ربّما تتمثّل إحدى استراتيجيّاته (الأميركيّة - الناتو) القادمة في المضي قدما على خطّين: الأول، الاستمرار في استنزاف الجيش الروسي والثاني، إثارة قلق المواطنين الروس على أمنهم وسلامتهم لإحداث الإرباك. ويبدو هذا التفسير معقولًا في ضوء إنّ كل محاولات التسوية بين موسكو وكييف لم تُفلح (أو أُفشلت) بسبب الفيتو الغربي (الأميركي)، ويدعم ذلك طبيعة الوضع الأوروبي والأميركي المعقّد سياسيًا واقتصاديًا، ومعه حالة الانقسام في التكتيكات والاستراتيجيّات والتلويح الروسي باللجوء إلى الأسلحة الفتّاكة. ولهذا - وفي ضوء كل ذلك - فإن من بين أفضل الحلول المتاحة الاستمرار في الدعم المتقطّع لأوكرانيا بما يسمح لها أن تتقدّم خطوة وتتأخّر خطوات لإبقاء حالة الجمود السياسي، وإطالة الصراع العسكري دون تمكين أيّ من الطرفين من الحصول على ميزات حاسمة. على المستوى الداخلي الأميركي يروّج العسكريّون الأميركيّون فكرة تقول إن موسكو أخفقت في تحقيق أي نصر حقيقي، وأخفقت في الإطاحة بالحكومة الأوكرانيّة المنتخبة، وفشلت في كسر إرادة الشعب الأوكراني، أما الرئيس "بايدن" فمهمته استمرار تعزيز دور الحلفاء، وإبقاء الشعلة الضعيفة متّقدة تحت إناء الحماس الفاتر في الداخل والخارج مركّزا على أن حرب روسيا في أوكرانيا تمثّل تهديدًا لأوروبا وبقية العالم، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. والسؤال الكبير اليوم يقول: هل يكون العام الثالث للصراع عام الحسم؟، ربّما مع حدوث مفاجأة في داخل روسيا فقط. أما الحسم العسكري لمصلحة أي من الطرفين فستكون تكلفته باهظة جدا، ثم إن التسوية بواسطة التفاوض ستستلزم إما الحفاظ على كبرياء روسيا بوتين، أو إنعاش بقية أمل الولاياتالمتحدة في إدارة نظام عالمي يترنّح، وهما أمران أحلاهما مر. * قال ومضى: التاريخ لا يرحم من يقف في منطقة العدم بين لا ونعم..