بكل أسف تتراكم مشكلات الأجيال العربيّة الجديدة حتى يصبح الإحباط هو الطاغي الأكبر على المواقع والمنصات الإلكترونية، وحينما يخرج المحبطون هؤلاء إلى الشوارع يأتي سلوكهم صاخبا عدوانيا يدمّر كل شيء، ومع اتضاح وافتضاح دروس "الخريف العربي" القاسية إلا أن المخطّطين في المجتمع العربي لم يعنوا كثيرا بخطورة تجذّر الثقافة المشوشة القادمة عبر الشاشات والتي يستهلكها ويتبادلها ملايين الشباب العرب في ظروف ثقافية اقتصادية وسياسية معقّدة، والإشكال هنا أن هؤلاء الشباب تُركوا أمام الشاشات دون حساب للعواقب المترتبة على ما يطالعونه وعلى رأس ذلك دوره في تشكيل المعرفة وبناء الفكر والسلوك السياسي عندهم. ومنذ بواكير الإنترنت كشفت المؤشرات الأولية عن حقيقة تقول إن المواقع والمنتديات الجماهيرية الأشهر بين الشباب العربي آنذاك هي في الغالب تلك التي تروّج للكثير من الشائعات والفتن الفكرية والسياسية بين المجتمعات والدول، وهي - بهذه الصفة - لا يمكن التعويل عليها كمصادر رصينة لملء فراغ التثقيف السياسي للشباب الذي (لم تتصدَّ) له بعد مؤسسات مجتمعية لتتجاوز بهذه العقول الغضة (أزمة انفعالات) مواقع الإنترنت ومنصات الشبكات الاجتماعية إلى ما ينبغي أن يكون من (هدوء وعقلانية) الطرح والتحليل العلمي المفترض تقديمه من خلال دعم ورعاية مؤسسات مجتمعية عينها على تحقيق الصالح العام والأهداف العليا للمجتمعات والدول. ومما ضاعف من مشكلات التنشئة السياسية الإلكترونية (بصفتها مصدر التثقيف الأول) عند للشباب أن العملية السياسية العربية في مجملها كثقافة ومن ثمّ كسلوك وممارسة ما هي إلا نتاج لإرث ثقيل من القهر والخوف والتخوين المتبادل بين أطراف المعادلة السياسية العربية بمختلف درجاتهم، وحينما حضرت السياسة بمفهومها الحديث إلى "عموم" المجتمع العربي (لأول مرة) كانت الإذاعة وسيلتها إلى الجماهير، ومنها بدت الصورة السياسية العربية عبر الأثير وهي تختزل (أكبر) الأحداث في حشرجة المذيع البائس وهو يصور الهزيمة نصرا، ويظهر المختلف خائناً وعميلاً، ويقسم الناس إلى (رجعي وتقدمي)، ثم أتت بعد ذلك شاشة التلفزيون العربي الرسمي لتقدّم فكر (الثكنات) ومعه ظاهرة الخطابات السياسية الطويلة لذاك الزعيم الملهم، أو ذلك القائد المظفر فشوّهت مفهوم الفكر السياسي ما أدّى إلى حالة من الانفصام بين الفكر والممارسة وتأزيم العلاقة النفسية بين الشاب العربي وذاته وبينه والنخبة وحين قال الناس ها قد جاء الفرج على شاشات الإنترنت والهواتف الذكية ظهرت القضايا القديمة والجيدة أكبر من الوسائل الرقمية العصرية. وكان السؤال وما زال عن أسباب غياب أو تأخر الحضور (المجتمعي) الرشيد في عالم الشباب الافتراضي، إذ إن من المسلمات الفكرية أن الغائب لا يؤثر، والضعيف يفسح بنفسه المجال لغيره لاحتلال مركزه، ومن هنا كانت أسئلة العقلاء حول أهمية بناء وتفعيل الاستراتيجيات والخطط التي تكفل الحضور الفكري المتوازن في عالم الشباب الرقمي بلغة تستوعب روح الشباب وتطلعاتهم بعيدا عن الزجر والتجهيل أو الوعظ الفوقي. * قال ومضى: اعلم يا صاحبي أن ما هو أسوأ من فقدان الحرية.. إساءة استخدامها حينما تُتاح.