قدمت التشكيلية سحر عناني معرضها الشخصي الأول الذي افتتح يوم أمس وأقامته بصالة تجريد للفنون بالرياض، تحت عنوان «مكان» وحمل تجارب لونية متنوعة ذات دلالات فنية وفلسفية وبصرية ذات دلالات وإحساس لوني. عن تجربتها تقول الفنانة سحر: «يحلق بي المُتخيّل البصري والتكون الفني عالياً متآزراً مع الذات المفارقة في حالة سريالية تستحضر مفهوم الزمكان بلون فيروزي يتداخل مع إضاءات وانحناءات تلك النوافذ والأبواب المطلة نحو مستقبل واعد ويحيل ذاتي للاستقلال والهدوء والسلام والتحرر من سطوة دلالات اللون الأزرق والأخضر إلى دلالات جديدة تستحضر تلك المشهديات الهاربة من الذاكرة إلى حنين متجدد يفيض بكامل مشاعره وإحساسه». تفاصيل مترعة بالجمال يقول الكاتب والروائي عبده خال من أعمال الفنانة سحر عناني: «يجتاحني اللون الأزرق، ويدفع بي لاستذكار بداية الخليقة، حين كان الأزرق يؤثث لصياغة الكون بتفاصيلة المترعة بالجمال، والفنانة سحر عناني، سكنت ذلك اللون كي تجدل المكان والزمن في ظفيرة الظل والضوء، لتجسيد نفسها كشخصية آمرة للون، من أعماقها تنبعث اللوحة بزمانها ومكانها اللامرئي، فما نراه ما هو إلا حضور وجود تلك الأشياء من خلال سحر ذاتها، الخالقة من الأزرق تموجات بقية الألوان، إذ إن لها مقدرة في جعل تموجات اللون منتجاً لبقية الألوان، فتصبح اللوحة حواراً داخلياً بين المرئي والمشاهد.. ولذا تنبه فمهما كانت اللوحة محتفلة بلون آخر، فإن حقيقتها ما هي إلا ركض حثيث نحو الأزرق». جمعت بين الأصالة والمعاصرة في قراءة نقدية عن المعرض يقول الناقد الفني أحمد فلمبان: «بتقنية «المونوكروم»، بدأت «سحر» التجريب بهذا الأسلوب في هذه المجموعة بطرح ردات الفعل الذهنية بردات الفعل العاطفي بطريقة ساحرة وشاعرية في انسياب ناعم، بفسحات جمالية متعادلة، مفعمة بالخيال المطلق لأماكن الذكريات والحكايات اندثرت مع عوامل العبث والجحود بحجة التطوير والتغير، كانت ملهمة لها كرموز حدسية في روحها الباطنة، بتكوينات مختزلة، بدمج عناصرها، للابتعاد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية، المفعمة بالدهشة والعاطفة ضمن منظومة التجريد المفتوح على آفاق التأويلات المطلقة، تتجلى مع اللون الواحد، إلا ما يتردد للتنغيم به بلون آخر بشقاوة بعض درجاتها في تناغم حميمي كقصيدة نثرية تعزفها ومضات نورانية، تظهر في حركة الخطوط اللّامتناهية، بتكوينات هندسية بنائية مسطحة والتبسيط في الرموز والعناصر والاعتماد على البديهة، وتحليل أشكالها في الطبيعة وإعادة بنائها بطريقة جديدة، وجعل الأشياء المهملة والمهجورة، شكلاً فنياً، بتجانس مضامينها وتآلف ألوانها، وتعتمد على التعبير عن الأفكار التخيلية لتترجم عن ذاتها، والتي توحى للصور المتمثلة في أساليب الشفوفية، والمزج بين أزمنة المكان واختلاف المعاني، في إطار واحد، لأنها توحي أسرارًا أكثر مما تصفه الكلمات والعبارات، وهذا هو هدف الفن والجمال، فقيمته تكمن في السر الذي يدفعنا إلى التأويل بين الحقيقة والغموض ومعايشة الخيال، الذي له دور رئيس في المنظومة التشكيلية، فليس ثمة تفسير لهذا النسق، الذي تتبعه «سحر» سوى الغوص في أعماق الخيال وإطلاق الأفكار المكبوتة لاكتشافات تشكيلية رمزية لا نهاية لها، تحمل المضامين الفكرية والانفعالية التي لا تحتاج إلى ترجمة للجمهور المتذوق، كي يدرك مغزاها حسب خبراته الماضية، التي تعتمد عليها باستنباطات مكوناتها، بإدراكات حسية لمفاهيم رمزية كنشاط انطباعي لتجربة بصرية وإرهاصات ذهنية لرؤى تخيلية من ذاكرة نشطة لبقايا مندثرة، بإيحاءات فلسفية ومضامين متجانسة، على شاكلة الفانتازيا الواقعية (هي وليدة جينية للفنتازيا بمفهوم الإبداع) بهدف تسجيل التأثير البصري، وتمنحه آفاقاً مفتوحة على كل الآماد، بطريقة تثير المشاعر وتحرض المتلقي على التأمل، لأنها قد تتلاشى بومضة خاطفة تتلاشى مع ما تلمحه العين مع شيء يدركه بالبصيرة، فهي تجمع بين البصر والبصيرة، وهنا يلعب الخيال دوره الفاعل كعامل مشترك بين الفنان والمتلقي؛ لأن الرؤية المجازية في هذه الأعمال التي دلفت بين طياتها سمات فنية رمزية تتغلغل داخل تجاويف اللون وتفاصيل العناصر وعمق الفكرة، تجسدت في أعماقها سرد من القصص العتيقة من واقع الحياة وما يحيط هذا الواقع من أسرار، جمعت بين أصالة الموضوع وعمقه وإيحاءاته الفلسفية، بمرونة وتقنية افتراضية، لها علاقة بالفضاء العام بحركة مسارات وإدراكات حسية متوازنة، لتلتقي في الفراغات المفتوحة بسمات حداثية، لإن الفن «عندها» لا يُمنطق أو يُعلل، إنما يخترق البصيرة، فهي تصول وتجول وتسيطر على المساحة البيضاء التي أمامها وتتلاعب بتلقائية ورشاقة، قد تصل إلى حد إعادة صياغة الواقع أو تجاوز، بل تتمدد في فضاء غير واقعي، وتقدم نفسها ليس كبديل للواقع ولكن كون الواقع موازياً له!! هي مساحات غير مؤهلة الاختيار لمرجعيات معيارية تقليدية، بل وقد تذهب أبعد من ذلك باتجاه خلق فجوة – على الأكثر زمنية – مع ما حولها، لتعيد ترتيب أولوياتها أو لتناقض هذه الأولويات من خلال رؤية تستمد خواصها من خيال يمعن في خيالاته، لأن المفردات التي يستخدمها بشكل مختزل، وباستعارات رمزية، وترتبط شكلياً بالبنائية التلقائية، لتترجم الرؤية الفنية الجمالية، وهي القوة الكامنة لتلك المفردات الخيالية، عبر الخطوط في تضاد متناغم بين الحاد والناعم، من خلال التلاعب المتقن في الطرح، في لجة الألوان وانسياباتها العفوية، دليل على أن رؤية الذهن فوق رؤية العين، كالكواكب في فضاء السماء لا يحجبها أشعة الشمس أو يخفيها غبار النسيان، وتشكل جميعها طرفاً لمعادلة الاستمرارية والتجاوز، له سطوته من الناحية الجمالية والرؤية التخيلية، وقوته التقنية وفلسفته اللونية، التي تغني وتثري العناصر التي تتكون منها، لتمنحها جميعاً، بُعداً تزيينياً في بنائها التكويني وتبلوراً خيالياً في حركاتها، بمعالجات موضوعية ونزعة وهمية، واستقلالية في المنهج، جمعت بين الأصالة والمعاصرة بأسلوب افتراضي جاذب، لإغراء المتلقي بالاندماج الذهني، وتمعن آثارها في النفس الإنسانية، وتأثيرها للنظر، وملامستها الوجدان وروحانيتها في القلب.