في الولاياتالمتحدة كل شيء يخدم الصراع السياسي الحزبي للقوى المتنافسة على الاقتصاد والتجارة، ووفقا لهذا المبدأ فإن كلّ شيء متاح مباح، ومن ذلك استخدام الإمكانات العسكريّة لإظهار قوّة إرادة الحزب الحاكم، أو لتنفيس الاحتقان الداخلي، أو حتى لصرف الانتباه إلى العدوّ المحتمل، لذا فإنّ التحالف الهشّ الذي استطاع فريق "بايدن" تكوينه هذه الأيام لضرب المدن اليمنيّة بالصواريخ بحجّة معاقبة الحوثيين لا يخرج عن لوازم هذه المزادات السياسيّة والدعائيّة. ووفقًا لتحليل أجرته مجموعة مراقبة الأضرار المدنيّة "Airwars" فقد قتلت الطائرات الأميركيّة دون طيّار والغارات الجويّة ما لا يقل عن 22000 مدني وربما ما يصل إلى 48000 منذ هجمات 11 سبتمبر الإرهابيّة في عام 2001، ويستند هذا التحليل إلى تأكيد الجيش الأميركي نفسه بأنه نفّذ ما يقرب من 100 ألف غارة جويّة منذ عام 2001. وحين تقرأ مجمل الغايات (الظاهرة والمستترة) لهذه الحروب والضربات العسكريّة ومناسباتها ومسؤولي القرار فيها ستجد أن الغايات الاقتصاديّة والسياسيّة تأتي في المقام الأول تحت عناوين مثل السلم العالمي، أو دعم الحريات وحقوق الإنسان فضلاً على مواجهة الإرهاب. وفي العقود الأخيرة (وعلى وجه الخصوص في عهود الديمقراطيين) كانت العمليات العسكريّة منهجًا ومخرجًا للديمقراطيين من أزماتهم بشكل لافت، على سبيل المثال كانت ضربة صواريخ كروز على أفغانستان والسودان فيما سُمي بعمليّة الوصول اللانهائي (Operation Infinite Reach) عام 1998 ضمن حملة صرف الرأي العام الأميركي عن فضائح كلنتون وقتها وإن كان هناك مبررات أخرى مثل الرد على استهداف سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا، ولذات الأغراض اتبع كلنتون ذلك بإصدار أمر بتنسيق ضربات جويّة ضد العراق في ديسمبر 1998. وفي عهد الديمقراطي "أوباما"، زاد عدد الهجمات بطائرات دون طيّار (في عامه الأول في منصبه) عمّا فعله سلفه جورج دبليو بوش خلال مدّة رئاسته جميعها، وتشير الأرقام أنّه في عام 2009 وحده كانت هناك 54 غارة بطائرات دون طيّار في باكستان (الحليفة) وحدها، وترصد التقارير أنه ما بين 2009 ونهاية عام 2015 "ودون حسابات الخريف العربي" نفّذت الولاياتالمتحدة 473 غارة جويّة في أماكن لم تكن تعدّ مناطق أعمال عدائيّة نشطة "areas of active hostilities". وبحسب المجموعة البحثيّة الأميركيّة في المجلس الأطلنطي "Atlantic Council" فإن أكبر عقبة أمام "بايدن" اليوم هي حزبه السياسي والكونغرس، إذ عليه الآن أن يقلق بشأن الاستياء بين الديمقراطيّين وانخفاض أرقام استطلاعات الرأي الخاصّة به بشكل كبير، وعليه أيضًا أن يقلق بشأن معارضة نسبة مهمّة من أعضاء الكونجرس لجدوى الضربات العسكريّة في اليمن، ولهذا يرى بعض الخبراء أن الضربات العسكريّة غالبًا ما يتم توظيفها لزيادة الوحدة الوطنيّة، ومنح شاغل وظيفة الرئيس الساعي لإعادة انتخابه زيادة مؤقتة في الشعبيّة بحكم أن شريحة من الناخبين قد ينجذبون إلى المرشّح الذي يظهر صورة القوّة والحسم الأميركي. * قال ومضى: إذا لم تستطع قول الحقيقة فلا تغلق الأبواب في وجهها.