لن تنتهي الحرب التي تشنّها قوات الاحتلال في غزّة كما يشتهي المحتل، فأساس كل نصر وهزيمة في أيّ حرب (بعد الجاهزيّة) يكمن في صلابة عقيدة الشعب، وعمق معنويّة جندي المعركة، ومن هنا فمن تجنّدهم إسرائيل في حربها هم في أحسن أحوالهم أتوا من صُلْب أخلاط أمم يقودهم حلم هشّ أمام شعب لا يجيد سوى النضال وبذل المزيد من التضحيات التي لا يستطيع خصومهم تقديمها، وسبب آخر أن "إسرائيل" هي في نهاية الأمر كيان وظيفي بمسمي دولة أسّسها مستعمرون خبثاء في مرحلة مفاصلة تاريخيّة، واليوم يبدو واضحَاً أن هذا المستعمر آخذ في الترهّل وبدأت تتغيّر أولوياته، وسيسجّل التاريخ قصصا تُروى في مستقبل الأيام عن تحوّلات التاريخ فيمن عبثوا بأركانه. وفي ظل حكومة متطرّفة (الليكود) فسيكون التفاوض والحل السياسي ضروريًا لمعالجة القضايا والمظالم الأساسيّة (الحاليّة في الأقل) التي أنتجت هذه الحالة كون الأحزاب المتطرفة هي المسؤولة عن كل هذا العبث والدمار من قبل ومن بعد، وما يحدث الآن من ضغط دوليّ وجهود دبلوماسيّة عربيّة سعوديّة على وجه الخصوص قد تقود إلى هدنة وربما تؤدي هذه الجهود إلى تسوية تفاوضيّة ستكون إسرائيل الخاسر الأوحد إن لم تنتهزها. وما خسرته إسرائيل بشكل جوهري ليس فقط في صورتها، بل خسرت معها قسما مهما من الرأي العام العالمي في دول إسنادها التقليديّة، وتحديدًا في الولاياتالمتحدة، وفي كثير من الدول الأوروبيّة ما شكّل ضغطا على السياسيين ليدلوا مؤخرًا بتصريحات بدأت أكثر تفهما للوضع الفلسطيني مما كان الحال عليه في الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر أكتوبر (2023) مع بداية الأحداث. ومن هنا يمكن القول إن الأفق السياسي والعسكري للحلّ يكمن (ربما) في ثلاثة سيناريوهات، وكلها مرتبطة بظروف طرفي الحرب وبشكل أساس الرُعاة الغربيين لجيش الاحتلال وحكومته، ومن جهة أخرى ستتأثّر الخيارات الفلسطينيّة بمدى وحدة الصف الفلسطيني، ومتانة الوقوف العربي والدولي مع المطالب الفلسطينيّة. السيناريو الأول: فرض هدنة ووقف (طويل نسبيًا) لإطلاق النار من الجهتين بما يسمح بشيء من التقاط الأنفاس، والتعامل مع الاحتياجات الإغاثيّة والحالات الإنسانيّة، ولكن هذا السيناريو لن يصمد طويلًا لأن التضحيات الكبرى من الجانب الفلسطيني لا يمكن أن يكون ثمنها هدنة مؤقتة دون مكاسب ودون أفق سياسي، وفي الجانب الآخر ترى حكومة الاحتلال أنها لم تحقق من المغانم سوى بعث روح النضال في الأجيال الفلسطينيّة الجديدة على منظر الدماء والدمار. السيناريو الثاني: تحريك ملف حلّ الدولتين في جولات زمنيّة طويلة تبعث الأمل، وتشتت الطاقة المتشدّدة في الجانبين، وهذا السيناريو يرتبط برؤية القِوَى العالميّة لمستقبل الشرق الأوسط. السيناريو الثالث: وضع بذور حرب قادمة (لا تُبقي ولا تذر) على تراب فلسطين المشبع تاريخيّا بالدماء.. ويكفي الفلسطينيّين ومن يقف معهم هنا نصر وحيد لتُكتب معه خرائط ومصائر جديدة. * قال ومضى: كل أمّة لا تقرأ التاريخ لن تعرف شكل مستقبلها..