منذ بداية الألفيّة الثانية والأسئلة حول مستقبل العالم ما بعد 2030 مطروحة في كل الاتّجاهات، تجدها في التقنية والصناعة والاقتصاد والسياسة والأمن العالمي وكذلك حول مستقبل البشريّة وعلاقات الدول، ومن المجالات التي حظيت بنقاشات متنوّعة تلك المعنيّة بالدبلوماسيّة العالميّة خلال العقود القادمة، وقد تنبأت ورقة بحثيّة ألمانيّة صدرت عن معهد التنمية الألماني (German Development Institute) عام 2008 بما هو حاصل اليوم، إذ استنتجت الورقة البحثيّة خلاصة مفادها أن العالم سيشهد تغييرا أساسيّا في السنوات الخمس والعشرين القادمة لسببين: أولاً: ديناميكيّة الاقتصادات النامية، وثانيا: تنامي الدور الاقتصادي ثم السياسي لكل من الصين وكذلك الهند وغيرهما بما يكفي للتأثير على أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمي وإمكانات البلدان الأخرى وبالتالي على وضع العلاقات والدبلوماسيّة العالميّة. وفي تقريره الشهير "الاتجاهات العالميّة 2030: عوالم بديلة" يؤكد مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي أن عالم عام 2030 سيتحول بشكل جذري عن عالمنا اليوم (نُشر التقرير في ديسمبر 2012) إذ لن تتمكن أي دولة (حينها) سواء الولايات المتّحدة، أو الصين، أو أي دولة كبيرة أخرى، من ممارسة قوّة مهيمنة. ويتوقّع التقرير أن يرتفع تأثير عدد من القوى (الدول) المتوسطة مع تزايد قوتها الصارمة والناعمة مما سيرفع وزنها الدبلوماسي ويكسبها قدراً كبيراً من الثقل. وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في عام 2017 أثناء اجتماع عمل مع المبعوثين الدبلوماسيين الصينيين في الخارج، قال "شي": إن عالم اليوم يواجه تغييرًا كبيرًا لم يسبق له مثيل منذ قرن، وهي عبارة ردّدها في أكثر من مناسبة بعد ذلك ليعكس تطور التاريخ وصورة المستقبل. وعلى هذا الأساس سيتحدّد مستقبل الدبلوماسيّة العالميّة و"القوّة الناعمة"، بمدى قدرة كلّ بلد على تحقيق أهدافه من خلال الجذب والإقناع والتأثير بدلا من الإكراه أو التلويح بالقوّة. وستتجلّى القوّة الدبلوماسيّة للدول في مظاهر التأثير الثقافي، بما في ذلك رواج لغة الدولة وفنونها وأدبها وثقافتها الشعبيّة. فالبلدان التي تستطيع تصدير ثقافتها بنجاح يمكنها أن تعزّز نفوذها العالمي. كما سيلعب التواصل الفعال والنشر الاستراتيجي للمعلومات دوراً حاسماً في القوّة الدبلوماسيّة وتشكيل التصورات وبناء العلاقات والتأثير على الرأي العام في الداخل والخارج بدعم الاقتصاد القوي والمرن مع جني ثمار الاستثمار في التعليم والبحث والمساعدات الإنسانيّة والتنمويّة. وتضيف الدراسات أيضا أنه يمكن للبلدان أن تعزّز قوتها الدبلوماسيّة من خلال التوسع في دعم برامج التبادل الثقافي وإقامة المعارض الفنيّة والمهرجانات السينمائيّة والشراكات التعليميّة لعرض ثراء وتنوع ثقافة البلد. وبطبيعة الحال لن تتمكن الدبلوماسيّة من تعزيز قوتها في غياب الاستثمار الذكي في التواصل والاتصال الاستراتيجي لتوضيح القيم والسياسات والمواقف الوطنيّة. ويأتي هذا كلّه مع بناء منظومة دبلوماسيّة عصريّة تهتم بتعليم وتدريب الدبلوماسيّين ليكونوا فعّالين يجيدون التعامل بمهارة مع القضايا المعقّدة ويبدعون في بناء أركان العلاقات الإيجابيّة مع الشعوب قبل الحكومات. * قال ومضى: لكل سؤال جواب وإن ظهرت عشرات الأجوبة..