تقول تحليلات الذكاء الاصطناعي في تشخيصها للواقع السياسي العالمي اليوم إنّ العالم يتّجه إلى المزيد من الاستقطاب في العديد من البلدان المركزيّة بما في ذلك الولايات المتّحدة. ويتميّز هذا الاستقطاب بالانقسام الحادّ (التطرّف الملحوظ) في مواقف اليسار واليمين، مع تراجع واضح لنشاط ودور الكتل الفكريّة والسياسيّة في مركز الوسط السياسي والتي تسهم عادةً في ضبط الحياة السياسيّة في البلدان ذات التأثير السياسي والاقتصادي في العالم. وتكشف أحداث الحرب على غزّة واستمرار دعم وتبرير التدخّل العسكري الهمجي لقوّات الاحتلال الإسرائيلي عن الهوّة الكبيرة بين الناشطين السياسيين والرأي العام العفوي في عواصم غربيّة مهمة من جهة، وبين سياسات حكوماتهم من جهة أخرى مما قد ينذر بتغير كبير في المشهد السياسي وربما تسريع إغلاق هذا الملف بحقّ أو بباطل. نعم.. لأول مرّة يجد المتابع هذا القدر من عدم الثقة الجماهيريّة في المؤسسات السياسيّة الغربيّة، إذ بات كثير من الناس من مختلف الأجيال يعبرون عن آراء سلبيّة تجاه حكوماتهم والمسؤولين المنتخبين من قبلهم. وعلى هذا الأساس يمكن رصد مؤشرات تدني مستوى الثقة في مستقبل النظام السياسي العالمي الحالي، ولا يقتصر هذا على بلد معين، بل يمكن ملاحظته على مستوى كثير من دول العالم. ومع صعود الحركات الشعبويّة وقوة الجذب الذي تتمتع به في أجزاء مختلفة من العالم فإن المشهد السياسي القادم سيصبح أكثر رعباً لأنصار الاستقرار والسلام. إن هذه الموجات الشعبويّة التي تظهر وتعيش على إحباطات ومظالم عموم الناس وتحدّيها للنخب السياسيّة التقليديّة يمكن أن تغيّر شكل العالم. ولك أن تتخيّل كيف سيكون العالم إذا اجتمعت هذه المظاهر مع جملة التحديات العالميّة الأخرى، مثل: التحديات الصحيّة والبيئيّة وقضايا الهجرة واللاجئين وتنامي تأثيرات الرأي العام المتشكل عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الرقميّة. وخلال السنوات القليلة الفائتة لاحظ المتابعون تسارع التغيرات في التحالفات وتأرجح ميزان القوى الجيوسياسي، ووضوح الاتجاهات نحو خيارات سياسة حافة الهاوية في منعطفات العلاقات بين قوى كبرى مثل الولاياتالمتحدة والصين وروسيا والهند إلى حد ما. ومما لا شك فيه أن العالم المتشابك فكرياً وإنسانياً سيدخل مرحلة صراع طويل في حال زادت حدّة المنافسة الجيوسياسيّة واستمرّ التنافس (غير المرشّد) بين هذه القوى. وعلى المستوى الأكبر يدخل العالم مرحلة سياسيّة متقلّبة المقدمات غامضة المصير، فما زال الصراع بين أوكرانيا وروسيا، مصدرًا كبيرًا للتوتر الذي يتجاوز مستوى نزاعات إقليميّة، إلى اعتبارات جيوسياسيّة عالميّة. وهنا في الشرق الأوسط تترنّح عدد من دوله في معضلات اقتصاديّة وأمنيّة ونزاعات داخليّة تغذيها وتتربّح منها جهات إقليميّة ودوليّة فاعلة ضمن طموحات جيوسياسيّة معقّدة. مسارات.. قال ومضى: من يتوارى خلف الأقنعة.. لن تقنعه!