يوما بعد يوم تتصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل ويتوارى مؤيدو حربها على قطاع غزة، لاسيما مع انتشار التقارير والمقاطع المصورة الواردة التي تظهر حجم الدمار الذي لحق بالقطاع جراء العمليات العسكرية المستمرة منذ 40 يوما والتي راح ضحيتها نحو 12 ألف شهيد وحوالي 30 ألف جريح من الجانب الفلسطيني. فالكثير من المواقف شهدت تغيرا كبيرا، خاصة تلك التي أبدت دعما مطلقا في البداية لإسرائيل وما اعتبروه حقها في الدفاع عن النفس عقب الهجمات التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر، ورأى الكثيرون أن ما تفعله تل أبيب تجاوز حدود رد الفعل. وأقرت إسرائيل بتعاظم الضغوط التي تمارس عليها، في تصريحات صحفية لوزير خارجيتها إيلي كوهين الذي رأى أن تل أبيب أمامها من أسبوعين لثلاثة لتحقيق هدفها من تلك الحرب بالقضاء تماما على حركة حماس، قبل أن تزداد تلك الضغوط. ويرى خبراء أنه على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بقطاع غزة وعدد الضحايا غير المسبوق خلال أي جولة تصعيد من قبل، لا تزال إسرائيل بعيدة عن إدراك هدفها، مع استمرار المواجهات وإطلاق الصواريخ التي تصل إلى تل أبيب وعديد المدن الإسرائيلية. وحاول وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت استدراك الموقف، فخرج بعد تصريحات كوهين بأقل من 24 ساعة ليعلن أن الحرب ستستمر لأشهر وستشمل مناطق شمال وجنوب قطاع غزة، وهو ما يعكس ارتباكا حتى داخل البيت الإسرائيلي نفسه. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد أقر بوجود خلافات داخل وزارته بشأن نهج إدارة الرئيس جو بايدن حيال الحرب. وذكرت شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأميركية الأسبوع الماضي أن مئات الموظفين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وقعوا على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار، فضلا عن تقارير عن مذكرة معارضة داخل وزارة الخارجية نفسها. وقالت (سي إن إن) إن بلينكن كتب في رسالة إلكترونية لموظفي الخارجية الأميركية: "أعلم أنه بالنسبة للكثيرين منكم، المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة لها أثر شخصي كبير... الألم الذي يصاحب رؤية الصور اليومية للرضع والأطفال وكبار السن والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة أمر مؤلم، أشعر بذلك بنفسي." كما ذكرت الشبكة أن بعض ردود الفعل العنيفة جاءت من داخل وزارة الخارجية، بما في ذلك المسؤول الذي استقال من الوكالة الشهر الماضي بسبب نهج إدارة بايدن في الصراع. وفي أماكن أخرى من الإدارة، أعرب مسؤولون عن غضبهم بهدوء مع تزايد عدد القتلى المدنيين. وأشار بلينكن في رسالته إلى أن بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتبعها أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكننا القيام به بشكل أفضل. وأضاف أن الهدف الشامل للولايات المتحدة يظل كما هو: إنهاء هذا الصراع الرهيب في أسرع وقت ممكن، مع الوقوف إلى جانب حق إسرائيل والالتزام بما يتوافق تماما مع القانون الإنساني الدولي، بضمان عدم تكرار أي هجوم إرهابي مثل هجوم 7 أكتوبر مرة أخرى". وفي السياق، ذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن البيت الأبيض يشعر بإحباط متزايد من سلوك إسرائيل في الحرب ضد حماس مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين ودعوات الإدارة التي تذهب أدراج الرياح. وأوضحت الوكالة أن ذلك يوسع الصدع بين الحليفين المقربين. وعلى غرار هذا التطور على الصعيد الأميركي وفي خطوة وصفت بأنها سابقة في تاريخ الدبلوماسية الفرنسية، أعرب العديد من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط عبر مذكرة مشتركة عن أسفهم لموقف باريس من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بحسب صحيفة لوفيغارو التي ذكرت أنه تم توجيه المذكرة إلى وزارة الخارجية لترفعها بدورها إلى قصر الإليزيه. وتزامنت تلك التطورات مع إعلان الاتحاد الأوروبي عن رسم الخطوط الأولى لخارطة الطريق بشأن "مستقبل غزة ما بعد الحرب". وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في التكتل الأوروبي: "نحن بحاجة إلى التركيز على حل متوسط وطويل الأجل، يمكن أن يضمن الاستقرار بشكل مستمر، ويجعل من الممكن بناء السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي جميع أنحاء المنطقة". وتحدث بوريل عن إطار ناقش وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ملامحه الأولية لأول مرة، مضيفا: "سنحتاج إلى العمل على ذلك فورا، بالتعاون مع الولاياتالمتحدة والدول العربية"، معلنا عن زيارة هذا الأسبوع إلى الشرق الأوسط. وقال بوريل: "لقد كنا غائبين للغاية، لقد فوضنا هذا الحل إلى الولاياتالمتحدة، ولكن الآن يجب على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر مشاركة، لأنه إذا لم نجد حلا فسنشهد دورة دائمة من العنف". وربما يتفق الأوروبيون مع الأميركيين على ضرورة أن يبقى حكم غزة بعد الحرب للفلسطينيين، لكن يظل التساؤل بشأن كيفية تطبيق ذلك على أرض الواقع. ووفق الخطوط الأولى في خارطة الطريق، أكد الاتحاد الأوروبي رفضه التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وعدم تقليص أراضي القطاع، وكذلك رفض إعادة الاحتلال الإسرائيلي أو عودة حماس، وعدم فصل قضية غزة عن الحل الشامل للقضية الفلسطينية. ويرى الاتحاد الأوروبي أن الشروط الضرورية للنجاح، تتمثل في إيجاد جهات فاعلة يمكنها المساعدة في بناء المؤسسات، على أن يتم تحديدها من قبل مجلس الأمن، وأيضا مشاركة أقوى للدول العربية في البحث عن حلول، بالإضافة إلى مشاركة أكبر للاتحاد الأوروبي. وقال بوريل: "نعتقد أنه يجب أن تكون هناك سلطة فلسطينية، سلطة فلسطينية واحدة ، تتمتع بشرعية يتم تحديدها والبت فيها من قبل مجلس الأمن". وأضاف: "من المفهوم أن السلطة الفلسطينية لا تريد دخول غزة على ظهر دبابة إسرائيلية". ويرى مراقبون أن إسرائيل ماضية في حربها لكنها تفتقر إلى خطة واضحة المعالم يمكنها أن تحقق من خلالها الهدف المعلن بالقضاء على حماس، وأن الضغوط ستزداد عليها ليس خارجيا فحسب بل من الداخل في ظل دعوات متزايدة بإقالة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومحاسبته، وسط اتهامات بالإخفاق في إدارة هذا الملف وتساؤلات عن مصير المحتجزين الإسرائيليين في القطاع والتبعات الاقتصادية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي.