بعث إليَّ الأخ الفاضل علي بن زحيفة الشهراني بعملين من أعماله الأول منهما كان مشحوناً بالمقتطفات التي انتقاها أو لنقل انتخبها من عيون المأثور العربي تدور في مجملها حول التأسي والاستذكار وما خلفه الآباء من العبر حين الابتلاء ومن ثم فضيلة الصبر وهذا الجانب يستدعي الاحاطة به لأنه يتعلق أولاً وأخيراً بطبيعة الحياة التي نحن ضيوف عليها، ومع ذلك لابد للمؤلف ان يكون له جهده ورؤيته المستقلة، وقد أثارت هذه المسألة صاحبنا أيما اثارة حتى لو اعتمد النقل حيث تفاجأ بفقد ابنه المحبوب الأمر الذي شده من كل ناحية وقد آلم عشيرته ومن هنا توافد على منزله جموع من هذه العشيرة العزيزة وكذلك كل من علم بالفاجعة لكن كما حدثني من حضر ان الرجل كان مثالا للإنسان المعتبر. أما العمل الآخر وهو المهم في نظري فهو تحقيقه لمخطوطة ديوان الشاعر العلم عبدالله بن الدمينة الأكلبي ذلك الشاعر الإسلامي المتقدم، هذا الشاعر الذي صمتت عن تحديد حياته عصور التدوين الأولى القرن الثالث والرابع الهجريين وهما أقدم من وثق أخباره فلا أبو الفرج وهو الحاذق المهتم ذكر شيئاً عن هذه الحياة مع الأهمية، كذلك الخالديان في الأشباه والنظائر لكنهما يؤشران لمن رصدا له فيقولان في الزمنين الجاهلي والمخضرم ومن هنا جعلاه مخضرما أما ابو عبيد البكري 487ه فقد أشار الى حياته على انه شاعر متقدم من شعراء الدولة الأموية هكذا قال (ينظر : سمط اللآلي ص 136) كذلك صاحب الحماسة البصرية ت 656ه لا يعرف عن زمنه إذ غم عليه بينما أشار الى زمن كل من اختار لهم.. أما صاحب (عيون التواريخ) ابن شاكر الكتبي فقد جعله من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية وقال وإن كان بالتخمين في نظري إنه توفي أو قتل سنة 143ه مع جعفر بن علبة الحارثي وأبي حية النميري، والمساحة لا تمكنني من رصد ما قيل حول ذلك في العصر التاسع والعاشر وما بعدهما ولكن لابد من ذكر من اهتم بالاعلام وصار مؤلفه معتمدا لدى الباحثين أوجلهم الاستاذ خير الدين الزركلي في معجم الأعلام فقد رجح ان مقتله كان حوالي سنة 140ه هذا الكلام بالاختصار عن زمن هذا الشاعر الرائع.. أما مجموع شعره فقد حقق عدة تحقيقات وذلك برواية الزيد بن بكار وجمع أبي العباس ثعلب وابن حبيب حيث لم يوجد غير هذه الرواية عبر المسيرة التراثية.. ومن هنا فديوان ابن الدمينة الذي حققه الأخ علي وهو المهتم بعشيرته والمعروف بتقصي أخبارها لم يتحدث عن زمن الشاعر وهذه كما ارى من المهمات التي لابد منها ولابد من الاشارة الى اختلاط أشعار مجموعة من الشعراء عاشوا في فترة متقاربة كيزيد بن الطثرية وقيس بن الملوح وجميل بثينة والقحيف العقيلي وابن ذريح وغيرهم والشواهد على ذلك كثيرة كقصيدة (الا يا صبا نجد متى هجت من نجد) ولعلني قد تحدثت في كتابي الذي لم يطبع بعد (من يصوب لجغرافيينا) حول هذا الجانب.. ولكون شعر عبدالله بن الدمينة في مجمله من النوادر سواء في لوعته الموغلة أو في صوره واستلهامه أو حتى في ذكره للأماكن أو حتى المديح القليل فقد تركت للقارىء أن يبحث عن ديوانه فهو احد كنوز الضاد سواء في النظم أو في الشاهد أو حتى العلوق بالذاكرة ولكن لابد من البوح.. يقول : قفي يا أميمَ القلبِ نقضي لبانة ونشكُ الهوى ثم افعلي ما بدا لكِ سلي البانة الغناء بالأبطح الذي به الماءُ هل حيّيتُ أطلالَ داركِ أشكر الاستاذ علي على هذه التحفة الجميلة حقاً.