ها قد جاء العيد بلحن الحياة، وروح السعادة؛ ليملأ الدنيا بهجةً وفرحًا، واكتست الشوارع والأرصفة بكل مظاهر العيد، وفاضت المحال بالحلوى القادمة من شتى بقاع الأرض، لتضفى للعيد مزيدًا من السرور، ولترتسم بمذاقها الأخّاذ أجمل صورة على شفاه الصغار، وتعرض الملابس بكل أشكالها ومختلف ألوانها لتناسب كل الأذواق، ولا تغفو عينا أحدٍ ليلة العيد من صغار أو كبار، حتى يتأكد من كامل جاهزيته لمحفل بهيج، ويوم عيد جديد، يغفو قرير العين، ينتظر فلق الصباح، ينتظر إشراقة الشمس ليستقبل نورها باسمًا يضاهي إطلالتها، يقول الشاعر يحيى حسن توفيق في قصيدة (ليلة العيد): بشائر العيد تترا غنية الصور وطابع البشر يكسو أوجه البشر وموكب العيد يدنو صاخبًا طربًا في عين وامقة أو قلب منتظر وهناك على الضفة الثانية لنهر الحياة الخالد تقبع نفوس أعياها الفقر، ونهش فرحتها الجوع، أو وأد بهجتها الفقد، أو عاث بها المرض، فهي لا تجد للعيد حلاوة، وان أكلت من كل حلوى فلا تجد فيها إلاّ مرارة الأسى، لتبقى فلسفة الفرح حائرة في السبيل لتلك القلوب.. فلا سبيل للسرور مع الألم. تلك الفئة تناجي قبيل الفجر نجوم الليل.. أن لا تنطوي ولا ترحل.. تهمس بحديث النفس الصادق أن لا تشرقي يا شمس يوم العيد، فقرصك الأرجواني البديع يشعرني بمرور الزمن، وتسارع الأيام. فطلتك عليَّ في يوم عيد جديد تعني أن عامًا قد مضى من عمري، وصفحة طُويت من أحلامي.. فما أقسى خيوط شعاعك في ذلك اليوم.. كم هي حارقة.. وكم أنت عصيّة يا شمس يوم العيد.. كم كنتِ رائعة عندما كنا صغارًا.. كم كنتِ ساحرة بدفئك ونورك.. كم كنا نغفو ليلة العيد ننتظر سحر الشروق لنتسابق للفرح وأنت ترقبين بهجتنا.. ولكن بقاء الحال من المحال.. فعصفت الأيام بطفولتنا، وعاثت السنون بأفراحنا، وبددت الأحداث أحلامنا، وغاب الفرح.. يقول الشاعر العراقي السيد مصطفى جمال الدين يناجي صباه: يا عيدُ عرِّجْ فقد طالَ الظّما وجَفَتْ تِلكَ السنونُ التي كم أيْنَعَتْ عِنَبا يا عيدُ عُدنْا أعِدْنا للذي فرِحَتْ به الصغيراتُ من أحلامنا فخبا مَنْ غيّبَ الضحكةَ البيضاءَ من غَدِنا مَنْ فَرَّ بالفرحِ السهرانِ مَنْ هَربَا لم يبقَ من عيدنا إلاّ الذي تَرَكَتْ لنا يداهُ وما أعطى وما وَهَبا من ذكرياتٍ أقَمنا العُمرَ نَعصِرُها فما شربنا ولا داعي المُنى شَرِبا يا عيدُ هَلاّ تَذَكرتَ الذي أخَذَتْ منّا الليالي وما من كأسِنا انسَكَبا وهل تَذَكَّرتَ أطفالاً مباهِجُهُم يا عيدُ في صُبْحِكَ الآتي إذا اقتربا هَلاّ تَذَكَّرتَ ليلَ الأَمسِ تملؤُهُ بِشْرًا إذا جِئْتَ أينَ البِشْرُ؟.. قد ذَهَبا ياسر أحمد اليوبي - مستورة