كان من آخر حلقات مسلسل الجرائم الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين عموماً و أهل غزة المحاصرة على وجه الخصوص قيام السلطات الصهيونية بمحاولة إستغلال هطول الأمطار الموسمية كغطاء لإغراق غزة من خلال فتح بوابات السد الواقع شرقي مدينة غزة الثلاثاء الماضي مدعيةً أن مصدر المياه المتدفقة كانت الأمطار الغزيرة. لقد داهم الفيضان سكان غزة دون سابق إنذار وهم نائمون ليزيد سكانها و القرى المحيطة بها معاناةً على معاناة و تسبب تدفق المياه المفاجئ كما هو متوقع في قتل العشرات من المواطنين و تجريف العديد من البيوت في منطقة تعز فيها المباني منذ أن حالت إسرائيل دون جهود إعادة الإعمار بعد الخراب و الدمار بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة بداية 2009 م و دمرت زهاء 40,000 مبنى ما بين منازل و بنيات سكنية و محلات تجارية و مدارس و مستشفيات و مساجد يذكر فيها اسم الله وأجبر الدمار ما يزيد عن 500 عائلة للعيش في الخيام من حينها ، كما تسبب الفيضان المفتعل في تشريد مئات العوائل و إتلاف الكثير من المحاصيل الزراعية و قتل الحيوانات الداجنة ، علماً بأن وادي غزة كان فيما مضى من الزمان مجرى لنهر ذي ضفاف وارفة يقدم من منطقة الخليل ليصب في البحر الأبيض المتوسط قبل أن يقوم الكيان الصهيوني العنصري بقطع تدفق مياهه العذبة ببناء السد المشار إليه ليتحكم في مياه منطقة غزة ( كما يود التحكم في مياه المنطقة العربية ككل ) فيحرم منها أهل غزة متى ما أراد و يغرقهم بها متى بدا له ذلك. قد لا تكون جريمة الحرب الإسرائيلية مستغربةً كونها صادرة من كيان عرف منذ تأسيسه بالإفساد في الأرض بالقدر الذي يستغرب و يستهجن به رد الفعل العالمي على الجريمة ضد الإنسانية ، ففي الحين الذي وصفت فيه منظمة الميزان للدفاع عن حقوق الإنسان الحدث الإجرامي بالتالي (للمرة الثانية خلال أقل من عشر سنوات قامت قوات الإحتلال الإسرائيلية بإغراق المنازل الفلسطينية والحقول و ممتلكات عشرات العوائل في قطاع غزة)، إنبرت ال بي بي سي البريطانية للدفاع عن ما لا يمكن الدفاع عنه إلا باختلاق الكذب و ممارسة النفاق السياسي و لوي أعناق الحقائق ، و بالتعامل مع غزة بالذات بما يعرف «بالإستثنائية الأخلاقية» أي أنه يجوز أن يفعل بغزة المقاومة مما لايجوز فعله بسواها فوصفت الجريمة المتعمدة بأنها فيضانات «سريعة» تسببت فيها الأمطار الغزيرة ، يا للنفاق و قلب الحقائق و إزدواجية المعايير و الخلط بين الجرائم البشرية المتعمدة و القضاء و القدر الإلهي. يظهر التناقض الصارخ و النفاق السياسي و الأخلاقي العالمي في المزايدات و التظاهر الإسرائيلي بمصاب هايتي التي ضربها زلزال عنيف جداً الأسبوع الماضي و هرع لنجدتها ما يزيد عن 100 دولة بما في ذلك طاقم طبي إسرائيلي تصاحبه حملة إعلامية صهيونية كبرى في محاولة إسرائيلية واضحة لصرف الأنظار عن جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأبي فمنذ عام واحد فقط أمطرت إسرائيل في عملية الرصاص المذاب و على مدى واحد و عشرين يوماً غزة من جهاتها الخمس بجميع أنواع الأسلحة الأمريكية المتطورة ما يعرف منها كمثل الفسفور الأبيض الذي يذيب اللحم و العظم و ما لا يعرف كمثل القنابل الفتاكة الجديدة التي تهتك أجسام الضحايا من الداخل بما لا يدع مجالاً للعلاج و الإنقاذ و هاجمت البيوت و المساجد و المدارس العامة و التابعة للأمم المتحدة و المستشفيات و سيارات الإسعاف و مخازن الأغذية و خربت البنية التحتية و قتلت ما يزيد عن 1,400 إنسان بينهم 330 طفلاً بينهم الأطفال الرضع و غالبية بقية الشهداء الساحقة كانت من المدنيين العزّل من النساء و الرجال و الفتيان و دمرت كما أسلفنا 40,000 منزل تدميراً كاملاً أو جزئياً ، و الأدهى من ذلك و أمر هو أن العالم بأجمعه و بمؤسساته الدولية ذات الأسماء الرنانة لا يزال يتظاهر بالوقوف عاجزاً و مكتوف الأيدي أمام الصلف و التعنت الإسرائيلي في الحيلولة دون أعمال إعادة إعمار غزة بينما استطاعت قافلة شريان الحياة الشعبية من إختراق الحصار ثلاثاً. و تستمر إسرائيل في جرائمها ضد غزة و أهلها تحت سمع العالم و منظماته الأممية و بصره دون مساءلة أو محاسبة أو حتى مجرد إستنكار لا لشيء سوى الإمعان الصهيوني في محاولة إذلال أبطال غزة المقاومة و التمتع بمعاناتهم عقاباً لهم على تجرئهم في إختيار من لا ترضى عنهم إسرائيل في ظل سكوت بل تواطؤ عالمي مخز ، فهل يمكن لمثل هذه العقلية الجماعية الإسرائيلية المريضة التي لا تؤمن بغير سفك الدماء و تخريب الديار و إغراق الناس و هم نيام أن تكون عوناً للأخرين في هايتي – التي تحتاج بكل تأكيد لكل جهد إنساني صادق لمعونتها في مصابها الجلل – أو غيرها من أصقاع العالم. وليست كثير من المساعدات العالمية التي تدفقت لهايتي عن النوايا الإسرائيلية ببعيد ، فالولاياتالمتحدة التي كانت تحتل هايتي ما بين عامي 1915 – 1934 م سارعت بإرسال حملة عسكرية كبيرة إلى هايتي أستولت على المطار و هيمنت على الحركة فيه بدلاً من أن ترسل قوات إغاثة مدنية علماً بأن للولايات المتحدة منظمات فدرالية تهتم بالكوارث الطبيعية كمثل منظمة «فيما» ، لدرجة أن الرئيس الفنزولي تشافز إتهم الولاياتالمتحدة بغزو هايتي و إحتلالها مستغلة كارثة الزلازل المدمرة و غياب الدولة بهايتي و ذهبت فرنسا قريباً من قول تشافز عندما صرحت رسمياً بأن هايتي في حاجة للأعمال الإغاثية و ليس لقوات مشاة البحرية الأمريكية «المرينز» العسكرية. و إذا عرف السبب بطل العجب كما يقال فأعمال التنقيب تشير أن هايتي تربض على إحتياطي نفط و غاز يفوق إحتياطي فنزويلا ذاتها. لم تزل تثبت الأحداث بأن مواقف «المجتمع الدولي» بل و خطط ذلك المجتمع من المسلمين كمثل تعليق ال بي بي سي المشار في الدفاع عن جريمة الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد سكان القطاع مبنى على الإرث التاريخي المتعصب و الصور النمطية العمياء ، و إذا كانت حرب إسرائيل على لبنان قد حملت إلينا صور أطفال إسرائيل و هم يسجلون جمل الحقد و الكراهية مهداة من أطفال إسرائيل إلى أطفال لبنان فقد كشفت المعلومات التي تسربت أخيراً بأن القوات النيوزلندية العاملة في أفغانستان تحمل هي الأخرى جملاً أنجيلية محفورة على أسلحتهم مهداة لمسلمي أفغانستان. إن المسار المنطقي الوحيد الذي يمكن أن تجري فيه التطورات التاريخية القادمة في ظل الإصرار الغربي على هذه الإزدواجية المقيتة و الإنتقائية الأخلاقية البشعة و النفاق السياسي الممجوج هو الصدام الحتمي الشامل بين الحضارتين الغربية و الإسلامية عندما تتعمق القناعات لدى الأخيرة رويداً رويداً أن الحرب الغربية ضدها ليست حرباً على الإرهاب ، بل هي الإرهاب بعينه مستتراً في غطاء من محاربة الإرهاب بعد غزو و تدمير العراق و أفغانستان و الحرب بالنيابة في الصومال و إستهداف السودان و اليمن و في ظل الصمت المطبق عن حصار غزة و إستهداف هدم المسجد الأقصى بحلول 16/3/2010 كما تتوقع صحيفة «الها آرتس» الإسرائيلية ، و في ظل الزحف الغربي الوئيد للإطباق عل قلب العالم الإسلامي.