«الغبقة الرمضانية» هي عادة أحسائية وتقليد اجتماعي محلي وخليجي؛ حيث تعارف أهل الأحساء خاصة والخليج عامة على إحيائها منذ مئات السنين، وهي تعد إحدى وجبات شهر رمضان التي تقع بين وجبة الإفطار والسحور، ويحرص أهل الأحساء على إقامة الغبقات في الليالي الرمضانية وخصوصًا في العشر الأواخر؛ حيث يقومون بدعوة الأهل والأصدقاء في بيوتهم، ويعدونها فرصة لتعزيز التعارف والترابط الاجتماعي بينهم، وتقام الغبقة غالبًا بين الساعة الحادية عشرة ليلًا والثانية صباحًا، بحيث يسهل على المدعوين تلبية الدعوة، ويتخلل الجلسة المُسامرة والحكايات اللطيفة. ولايزال الكثيرون من أهل القُرى والمدن مُتمسكين بتلك العادة العريقة، ولا تختلف الغبقة من حيث معناها وأنواع وجباتها بين أهالي القرى والمُدُن. يقول الحاج عبدالله بن حسين، من أهالي الأحساء: الغبقة تُمثل صورة من صُور العلاقات الاجتماعية الكريمة في الشهر الفضيل، وفيها من الكرم والحفاوة الشيء الكثير بما يليق بمكانة الضيوف؛ حيث يحرص صاحب «الغبقة» على دعوة الأهل والجيران والأصدقاء للالتقاء، وتبادل الأحاديث، وتناول الوجبة. والآن أصبحت تُقام في الجلسات والاستراحات والفنادق، ولكن ليس لها طعم ونكهة إلَّا في البيت. عادة خليجية ويرى أحمد بن ضاحي، وهو أحد المهتمين بالتراث، أن «الغبقة» عادة اجتماعية تنتشر في كل دول الخليج، ولرُبما أصبحت تقليدًا لدى الكثيرين، والغبقة اليوم تتضمن أنواع الفطائر والكبة والسلطات وأنواع الحلويات والقهوة، وأطباق شهيرة، إضافة إلى المشروبات الرمضانية مثل الشاي والقهوة والزعفران. وشدّد ابن ضاحي على التمسك بالغبقة، فهي إحدى الموروثات الشعبية التي ترجع بنا إلى ماضي جلسات الأجداد، الذين تركوا لنا تقاليد وعادات تعزز أواصر العلاقات الاجتماعية وخصوصًا في هذا الشهر الفضيل. بين الماضي والحاضر ويتذكر الحاج أحمد بن حسين العبدالله الغبقة في السابق أيام الآباء والأجداد، فيقول: كانت تختلف عما هي عليه اليوم في أشياء كثيرة، فطابعها ووجباتها كانت مختلفة، وكذلك بالنسبة إلى عدد الحضور، إلا أن التسمية بقيت ومعنى اللقاء كعادة اجتماعية بقي أيضًا. وأضاف: هناك غبقات للرجال وأخرى للنساء وثالثة للشباب، يجتمعون فيها لتناول الوليمة ولتبادل الأحاديث والسؤال عن أحوال بعضهم البعض والترفيه عن النفس. وفي السابق، لا يشارك أحد من الغرباء في الغبقة، فكانت مخصصة للعائلة فقط، وكانت تقام عند واحد من الأهل، ويكون هناك إتفاق على الموعد، وهي باقية حتى اليوم كلقاء سَمَر رمضاني يحبه الصغار والكبار. وعادة ما تتنوع أطباق الغبقة، لكنها تشمل بشكل أساسي الأطباق الخليجية الشعبية الشهيرة كالثريد والهريس، والمرقوق، واللقيمات، والمحمَّر، والمكبوس، والمشخول.. وتُقدَّم أيضًا أطباق الحلويات مثل الساقو واللقيمات أو النشاء أو العصيدة أو البلاليط، إضافة إلى التمر والشاي والقهوة. وترى أم موسى المتخصصة في الأكلات الشعبية أنَّ «الثريد» هو الطبق الرئيس في الغبقات، لكن دخلت بعد ذلك بعض الأطباق من ثقافات متنوعة، ومنها الأطباق الأجنبية وبعض الأكلات الشامية، وكانت العوائل الخليجية تقدم طبقًا واحدًا للغبقة يأكل منه الرجال أولًا ثم يأتي بعد ذلك دور النساء.