بعد ذكر أسماء المبيحين لأكل القات.. نذكر أقوال بعضهم.. أولاً: الشيخ الصوفي عمر بن علي الشاذلي المتوفى سنة 821ه: (( يرى إباحة تعاطي القات، وإن تعاطى الإنسان مع القات الدخان فهو أفضل ؛ لأن برودة القات تناسبها حرارة الدخان ، فالحرارة والبرودة ضدان ، والضدان فقط لا يجتمعان بينهما برزخ لا يبغيان ، فالجمع بين القات والدخان أفضل...)) (1). وهذا الشيخ من كبار المتصوفة ، استوطن المخا وكانت له بها زاوية ، والطريقة الشاذلية معروف أنها من الطرق الصوفية ، ومما ذكر عنه قوله: سمعت بعض أولياء الكشف يقول: (( القات مكتوب على ورقه اسم الله الأعظم!!، فهذا سر مكتوم ، وعند أهله معلوم )) (2). ويزعم أن القات نزل من الجنة! ، وأن الخضر أتى به إلى الحبشة فأكل منه النجاشي فآمن قبل البعثة!! (3). فهل من كان له مثل هذه التخيلات والتصورات والشطحات الصوفية يقبل قوله ؟! خاصة في مسألة القات التي انحرفت فيها الصوفية انحرافاً خطيراً. ثانياً: الشيخ محمد بن سعيد بن كبن الطبري المتوفى سنة 842ه: (( وقد أفتى بجواز تناول القات ، وقال: (( المشاهد من أحوال آكليه أنه يحدث لهم روحنة وطيب وقت ، وتقوية على الأعمال ، ولا يحدث لهم إسكاراً ولا تخبيلاً ولا تخديراً )) (4). ثالثاً: الشيخ أحمد بن عمر المُزَجَّد المرادي السيفي المتوفى سنة 931ه: ((كان يقول بتحريم القات ، ثم إنه اختبره بأكل شيء منه ، فلما لم يؤثر فيه شيئاً من أسباب التحريم أفتى بحلّه . فقال: (( وأما القات والكفتة فما أظنه يغير العقل ، ولا يصد عن الطاعة ، وإنما يحصل به نشاط وروحنة وطيب خاطر ، ولا ينشأ عنه ضرر، بل ربما كان معونة على زيادة العمل ، فيتجه أن له حكمه ، فإن كان العمل طاعة فتناوله طاعة ، أو مباحاً فتناوله مباح ، فإن للوسائل حكم المقاصد )) (5). رابعاً: الشيخ عبد الهادي السودي المتوفى 932ه: أما هذا الشيخ فقد كان صوفياًّ يمدح القات مدحاً زائداً يصل إلى درجة الغلو في القات وتقديسه! ، ومن يعرف مكانة القات في الفكر الصوفي المنحرف ، يعلم أنهم يعدّونه هبة ومنحة مقدسة من الله عز وجل ! للأتقياء العارفين!!.. ومما قال في القات: القات يجلب للأرواح أفراحا ... ويورث القلب تنويراً وإصلاحا ويشرح الصدر من همٍ ومن نكدٍ ... حتى يعود بُعَيد الهم مرتاحا لأجل ذلك حثَّ الأولياء على ... دوام مأكله نصاًّ وإيضاحا هو المعين على الأعمال أجمعها ... هو المعيد لليل الهمّ إصباحا هذا وكم فيه من نفع لآكله ... دنيا وديناً فكن للقات مدَّاحا ويقول في قصيدة أخرى : ألا يا أُهَيْل القات هبوا إلى القات ... فقد جاء محفوفاً بكل المسرات وقولوا لمن لم يأتِ من سوء حظه ... تخلفت عجزاً يا قبيل النداماتِ فأوقاتنا طابت بإلمام قاتنا ... ونلنا بحمد الله كل السعاداتِ فأهلاً من يجلو الصدى عن قلوبنا ... ولا مرحباً باللوم من ذي الملاماتِ عجيب لشخص ليس يعرف اسمه ... يُحَرِّمْهُ جهلاً بغير دلالاتِ بأي كتاب أم بأية سنة ؟ ... يقول حرام قوت أهل الكراماتِ ومعشوق سادات كرام أئمة ... رقوا وارتقوا أعلا العلا بالعناياتِ وصفَّاهم مولاهم واجتباهم ... أتانا ببرهان جلي المحجَّاتِ وإلا فإن الصمت للجهل ساتر ... وليس إلى فوق الخنى من ضروراتِ ولا سيما في دين شرع محمد ... ولكن شؤم الجهل داعي الفضيحاتِ خامساً: الشيخ أحمد بن الطيب الطبنداوي المتوفى سنة 948ه: (( كان يأكل القات ويثني عليه ، فقال: (( وأما القات والكفتة فليسا بمغيبين للعقل ، ولا مخدرين للبدن ؛ وإنما فيهما نشأة وتقوية وطيب وقت ، فإن قصد بهما التقوّي على الطاعة فهما مستحبان ؛ لأنه للوسائل حكم المقاصد )) (8). سادساً: الشيخ عبد الرحمن بن زياد المقصري المتوفى سنة 970ه: (( وقد ذهب إلى إباحة تناول القات ، وحرر رسالة ردَّ فيها على رسالة ابن حجر الهيثمي ( تحذير الثقات من الكفتة والقات) (9) . سابعاً: الشيخ عبد الله بن يحيى شرف الدين المتوفى سنة 973ه: وهو أديب يمني ينسب له قصيدة من أقدم وأهم القصائد التي روجت لانتشار القات في المجتمع اليمني لمكانة قائلها في ذلك الوقت ، وقد أتى فيها بشطحات عقدية ، وخيالات صوفية. فيقول: أدر غصون يواقيت من القات ... زبرجديات أوراق وريقات يجلو تناوله قلبي ورؤيته ... طرفي وتحلو به حالي وأوقاتي قلوبه تحمل الأسرار تودعها ... قلوبنا ثم تسري في السريرات براج (10) معراج قلبي حين يصعده ... جبريل قلبي إلى أعلى سماواتي زيتونة زيتها الأضواء بها اتقدت ... فتيلة النور في مصباح مشكاتي إلى أن يقول : كل المرادات فيه جُمِّعَتْ فلذا ... توجهت نحوه كل الإرادات لين القدود وتلوين الخدود وتن ... عيم الورود ولذات المذاقات وكم خصائص ترويها مشايخنا ال ... أثبات عن سادة في الدين أثبات أما ترى قلم الرحمن خط على ... ألواح أوراقه رسم الجلالات!! كله لما شئت من دنيا وآخرة ... وجلب نفع ودفع للمضرات وأكلة منه قال المرشدون بها ... تنوير سر اعتكاف الأربعينات فما أردتُّ ارتقاء في سما نظري ... في الكون إلا جعلت القات مرقاتي فيرتقي بي إلى أعلى مواطنه ... والرين يذهبه عن وجه مرآتي فينجلي في صفا ذاتي فيحسبني ... ذاتاً له وأراه أنه ذاتي تكسيره منتج في الانتهاء تقاً ... وعده عدة فافهم إشاراتي قلوب أضلعه تقري وتأمرني ... ولا تفي في فصيحات العبارات وقد علّق على هذه القصيدة الأديب اليمني عبد بن محمد الحبشي بقوله: (( في هذه الأبيات ينقلنا الشاعر إلى خيالات صوفية حيث يستعمل ألفاظاً لا نجدها إلا في كتبهم ، كلفظة ( الإسراء ) و ( المعراج ) و ( المشكاة ) وغيرها. ونرى الشاعر وقد تصور نفسه خارج عالمه المحسوس ، والأنوار غاصة به من كل ناحية ، إلا أنه يعود إلى واقعه حين يصف لنا خواطره عنه ، وما نقله عن شيوخه ، ومنها: أن القلب يحنُّ إليه ويشتاق إلى تعاطيه المرة بعد المرة ، وأنه شفاء لكل الآلام. وقد يشتط في خيالاته حين يقرأ تلك الخطوط المتعرجة التي توجد على أوراق القات ؛ لأنها رسم للفظ ( الجلالة: لا إله إلا الله) (11) ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ويقول الأديب الشيخ أحمد بن عبد الرحمن المعلمي: (( هذا شعر يصور هلوسة صوفية. فالقات لا يدفع البليات ، بل يجلبها ، ولا سيما اقتصادياً وصحياً )) (12) . ويقول في موضع آخر: (( إننا لا نقرُّ بأن هذه القصيدة لعبد الله بن شرف الدين إلا إذا ثبت تاريخياً أنه من المتصوفين...)) (13). ثامناً: الشيخ علي بن يحيى شرف الدين المتوفى 978ه (14): وهو أخو عبد الله بن يحيى شرف الدين ناظم القصيدة السابقة ، وهو أديب معاصر له ، وله تخميسة على قصيدة أخيه يقول فيها: يا راح روحي وريحاني وراحاتي ... يا نصب عيني وراحي في مسراتي ادر عليَّ ولا تخشى الملامات ... أدر غصون يواقيت من القات وللحديث صلة إن شاء الله تعالى... ______________________________________ (1) المرجع السابق ، 25- 26. (2) القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 42. (3) ينظر: المرجع السابق ، 42 . وتأمل قوله: آمن النجاشي قبل البعثة!!. فكيف يؤمن بشيء لم يكن يعلمه؟!. (4) تحذير الثقات من استعمال القات ، ضمن كتاب: القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي، 100. وموقف الفقهاء من القات ، 26. (5) تحذير الثقات من استعمال القات ، 100. وموقف الفقهاء من القات ، 26. (6) ثقافة القات في اليمن ، 36 . والقات في الأدب اليمني والفقه الإٍسلامي ، 44. (7) القات الوجود المتجاوز للحدود ، 334 . فهل مثل هذا الشيخ الصوفي تقبل فتواه في حكم القات؟!. (8) تحذير الثقات من استعمال القات ، ضمن كتاب: القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 100. وموقف الفقهاء من القات ، 26. (9) موقف الفقهاء من القات ، 27. (10) هذه الكلمة تختلف فيها المصادر بين (براج - سراح – سراج – براق ) والله أعلم بحقيقتها . (11) القات في الأدب اليمني ، ضمن كتاب القات في حياة اليمن واليمانيين ، 178- 179 . (12) القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 43، هامش رقم (2) . (13) المرجع السابق ، 91، هامش رقم (1) . (14) أورد هذا التاريخ صاحب كتاب : موقف الفقهاء من القات . وأما عبد الله الحبشي في رسالته: القات في الأدب اليمني قال: إن تاريخ وفاته هو 963ه. والله أعلم . (15) القات في الأدب اليمني ، ضمن كتاب القات في حياة اليمن واليمانيين ، 179.